للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يزيدُ صديقُ القردِ مَلَّ جِوارَنا … فحنَّ إلى أرض القرودِ يزيدُ

فتبًّا لمن أمسى [علينا] خليفةً … صحابتُه الأدنَوْن منه قرودُ (١)

وجلست ميسون يومًا تُرجِّلُ ابنها يزيد وهي يومئذٍ مطلَّقة من معاوية، ومعاويةُ وامرأتُه فاختة في موضع ينظران إليهما ولم يعلما. فلما فرغت من تَرْجِيلِه قبَّلتْ ما بين عينيه.

ومضى يزيد، فأتْبَعَتْه فاختةُ بصرَها وقالت: لعن الله سواد ساقَي أمِّك. فقال معاوية: أما والله لقد تفرَّجَ وركاها عن خير ما انفرجَتْ عليه وركاكِ. فقالت فاختة: لا والله، ولكنَّك تحبُّ يزيد وتؤثِرُه. فقال: سوف أُبيِّنُ لك.

فدعا عبدَ الله -وهو ولد معاوية من فاختة وكان محمَّقًا، وهو أكبر من يزيد- وقال له: يا بُنيّ، سلني. فقال: تشتري لي كلبًا فارهًا وحمارًا سابقًا. فقال: أنت حمار، وأشتري لك حمارًا! قم واخرج. ثم دعا يزيد وقال: سَلْني فقال: أسألُك الخلافةَ بعدَك، وأرجو أن أموتَ قبلك وتوليني الصائفة، وتأذن لي في الحجّ، وتزيد في عطاء أهل الشام عشرةَ دنانير لكلِّ رجل، وتفرض لأيتام بني جُمح وبني سهم وعديّ. فقال: ما لكَ ولبني عديّ؟ فقال: قد حالفوني. فقبَّلَ معاوية ما بين عينيه، وقال: قد فعلت (٢).

وكان يزيد شاعرًا فصيحًا خطيبًا، غزا القسطنطينيّة في حياة أبيه على جيشٍ فيه كثير من الصحابة، وحجَّ بالناس مرارًا، ولكن ابتلاه الله في ولايته بالمفاسد؛ من قتل الحسين وأهل بيته، ووقعة الحَرَّة، والتَّتْبِير والقتل، ورميِ البيت الحرام بالمجانيق وتحريقه، ونحو ذلك.

ولما توفّي الحسن بن علي رضوان الله عليه قال معاوية لابنه يزيد: اذهب إلى ابن عباس فعَزِّه. وكان ابنُ عبَّاس بالشام، فجاء يزيد، فجلس بين يدي ابن عبَّاس؛ فقال له ابن عباس: ارتفع. فقال: لا، هذا مجلس المعزِّي، لا مجلسُ المُهَنِّي (٣).


(١) أنساب الأشراف ٤/ ٣١٩. وأثبتُّ منه ألفاظًا لم تجوَّد في (خ).
(٢) الخبر في "تاريخ دمشق" ١٨/ ٣٩٢ و ٣٩٣ (مصورة دار البشير). وجمع فيه المصنف (أو المختصر) بين روايتين.
(٣) المصدر السابق ١٨/ ٣٩٥.