للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو يقضيَ الله ما أَحبَّ. فقالت: إلى من تدعُ بيتَك وولدَك؟ قال: إلى الله تعالى، ثم قال: اللهم احفظني فيهم. وخرج حتى لحق بهم.

وخرج أشراف الكوفة، فأصبحوا في النُّخَيلة، فكانوا ستة عشر ألفًا، وقيل: أربعة آلاف، وكان أسماؤهم في ديوان سليمان ستة عشر ألفًا، فلم يصفَ منهم سوى أربعة آلاف، فقال حُميد بن مسلم لسليمان: إن المختار يُثبِّط الناس عنك. فقال: أما تخافون الله؟! أما تذكرون ما أعطَوْنا من المواثيق والعهود؟!

ثم أقام بالنُّخيلة ثلاثًا يبعثُ أصحابَه إلى الكوفة يُذَكِّرُهم اللهَ والعهودَ التي أعطَوْه، فخرج إليه منهم [نحوٌ من ألف] رجل (١)، فقال المسيّب بن نَجَبَة لسليمان: إنه لا ينفعُك الكاره، ولا يقاتل معك إلا من أخرجته النِّيَّة، فلا تنتظرنَّ أحدًا، واكْمِشْ في أمرك.

فقام سليمان متوكِّئًا على قوسه فقال: أيها الناس، مَنْ كان إنما أخرجَتْه إرادةُ وجهِ الله ﷿ وثوابِ الآخرة، فذلك منَّا ونحن منه، ومن كان إنما يريد الدنيا؛ فواللهِ ما نُريد إلا وجهَ الله تعالى، وما معنا ذهبٌ ولا فضَّة، ولا حريرٌ ولا خَزّ، ولا عَرَضُ الدنيا، وإنما هي سيوفُنا على عواتقنا، ورماحُنا في أكفِّنا، وزادٌ قَدْرَ البُلغة إلى أنْ نُلاقيَ عدوَّنا، فمن لم يكن منَّا فلا يَصْحَبْنَا.

فتنادى الناس من كلِّ جانب: لا لِدُنْيا خرجنا، ولا لها طلبنا. فقيل له: أتسير إلى قَتلَةِ الحسين بالشام، وقَتَلَتُهُ عندنا بالكوفة كلهم؟! [منهم] عُمر (٢) بن سعد، ورؤوس الأرباع، وأشراف القبائل؟!

وقال له عبد الله بن سعد: أين تذهب وتدع الأوتار وراءنا؟ فقال سليمان: إن ابن زياد هو الذي جهَّز إلى قتاله، وعبّأَ الجيوش، وفعل ما فعل، فإذا فرغنا منه عُدنا إلى أعدائه بالكوفة، ولو قاتلتُم أهلَ مصركم؛ ما عَدِمَ الرجل أن يرى رجلًا قد قتلَ أباه أو


(١) في (ب) و (خ): فخرج إليهم منهم رجل. والمثبت من "تاريخ" الطبري ٥/ ٥٨٤، وما بين حاصرتين منه، وينظر "أنساب الأشراف" ٦/ ٣٣.
(٢) في (ب) و (خ): عمرو. وهو خطأ. وكذا في الموضع الآتي. والكلام هنا مختصر عن رواية الطبري ٥/ ٥٨٥ - ٥٨٦. وما بين حاصرتين منه. وينظر "أنساب الأشراف" ٦/ ٣٣.