للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هربتَ عن أبيك حتى قُتل [فكتب إليه خالد: كتبتَ تَلْخَنُني، وتزعم أنني فررتُ عن أبي حتى قُتل] (١)، ولَعَمْرِي إنني ما ذهلتُ عنه إلا بعد ما قُتل، ولم أجد لي مساعدًا، وأمَّا أنتَ يا ابنَ اللَّخناء المستفرمة بعَجَم الزَّبِيب؛ أخبِرْني عنك حين مررتَ أنتَ وأبوك يومَ الرَّبَذَة على جمل ثَفَال (٢)؛ أيُّكما كان أمام صاحِبه؟!

فقرأ الحجاج كتابه وقال: صدق:

أنا الذي فَرَرْتُ يومَ الحَرَّهْ … [ثم ثَبَتُّ كَرَّةً بِفَرَّهْ]

والشيخُ لا يفرُّ إلا مَرَّهْ

ثم طلبه، فهربَ إلى الشام، ولم يأخذ من بيت المال درهمًا.

وكتب الحجَّاج إلى عبد الملك [بما كان منه. وقدم خالد الشام، فسأل عن وزير عبد الملك]، فقيل: رَوْحُ بن زِنْباع. فأتاه حين طلعت الشمس، فقال: إني أتيتُك مستجيرًا. قال: قد أجرتُك، إلا أن تكون خالدًا. قال: فأنا خالد. فتغيَّر وجهُ رَوْح وقال: أَنْشُدك الله إلا خرجتَ عنّي، فإنّي أخافُ عبدَ الملك. فقال: أَنْظِرني حتى تغرب الشمس. فجعل رَوْح يُراعيها حتى خرج خالد، فأتى زُفَر بنَ الحارث، فاستجارَ به، فأجارَه، ودخل على عبد الملك بعد ما أَسَنَّ زُفَر، فقال: قد أجرتُ خالدًا فقال: لا ولا كرامة. فقال: يا عبد الملك لو كنتَ تعلمُ أنَّ يدي تُطيق حَمْلَ القناة، وأن تُمسك عِنانَ الجَواد؛ لأَجَرْتَ من أجرتُ. فضحك عبدُ الملك وقال: قد أجرناه.

وأُتيَ عَتَّاب بن ورقاء بامرأةٍ من الخوارج، فقال لها: يا عدوَّة الله، ما الذي حَمَلَكِ على الخروج علينا؟ أما سمعتِ قول الله تعالى:

كُتبَ القتلُ والقتالُ علينا … وعلى الغانيات جَرُّ الذُّيُولِ

فقالت: يا عدوَّ الله، جهلُكَ بكتاب الله هو الذي أخرجني عليك (٣).


(١) ما بين حاصرتين من "تاريخ دمشق" ٥/ ٥٠٨ (مصورة دار البشير- ترجمة خالد بن عتاب).
(٢) الثَّفال من الدوابّ: البطيء الثقيل الذي لا ينبعث إلا كرهًا.
(٣) ينظر هذا الخبر والذي قبله في "تاريخ دمشق" ٥/ ٥٠٧ - ٥٠٨ أو "مختصره" ٧/ ٣٨٨ - ٣٨٩، والكلام المستدرك بين حاصرتين منهما.