للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفرَّق ابنُ الزُّبير عمَّاله في البلاد، وبلغَ عبدَ الملك بنَ مروان فقال: مَن استعملَ على الكوفة؟ قيل: عبد الله بنُ مطيع. فقال: حازم وكثيرًا ما يسقط، وشجاعٌ وما يكرهُ أن يَفِرّ. قال: ومَنْ بعثَ إلى البصرة؟ قالوا: الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة. قال: لا حُرَّ بوادي عوف (١). قال: ومَنْ بعث على المدينة؟ قالوا: [بعثَ] أخاه مصعبًا. فقال: ذاك الليث النهْد، وهو رجل أهل بيته.

قال هشام بروايته عن أبي مِخْنَف قال: قدم عبد الله بنُ مطيع الكوفة لخمس بقين من رمضان، فقال لعبد الله بن يزيد الخَطْمي: إنْ أحَبَبْتَ أن تُقيمَ معي أكرمتُ مثواك، وإنْ لحقتَ بابن الزُّبير أكرَمَك. وقال لإبراهيم بن محمَّد: الْحَقْ بابن الزُّبير. فلحق بالمدينة، وكسر الخَرَاج، فلم يُؤاخذه ابنُ الزُّبير (٢).

وأما ابنُ مطيع فولَّى شرطتَه إياس بن مُضارب العجلي.

وصعد ابنُ مطيع المنبر، فخطب وقال: إن أمير المُؤْمنين عبدَ الله بنَ الزُّبير بعثني على مِصْركم، وأمرني بجباية فيئكم، وأن لا أحمل فضل فيئكم عنكم إلَّا بِرِضًا منكم، وأن أسير فيكم بسيرة عمر بن الخطاب، وأعملَ بوصيَّته فيكم، وبسيرة عثمان، فاتقوا الله، ولا تختلفُوا، وخُذُوا على أيدي سفهائكم، وإلا تفعلوا فلُومُوا أنفسكم ولا تلومُوني. وذكر كلامًا فيه تهديدٌ ووعيد.

فقام إليه السائب بن مالك الأَشْعريّ فقال: أمَّا أمرُ ابنِ الزُّبير إيَّاك ألا تحمل فضل فيئنا عنّا إلَّا بِرِضًا منَّا، فنحن لا نرضى أن تُخرج فضلةً عنَّا، وأن لا تَقسم فيئنا [إلَّا فينا، وأن لا يُسَار فينا] إلَّا بسيرة أمير المُؤْمنين علي بن أبي طالب التي سار بها في بلادنا حتَّى مضى لسبيله ، ولا حاجةَ لنا في سيرة عثمان في فيئنا وفي أنفسنا، فإنَّها إنما كانت أثرةً [و] هوًى، ولا في سيرة عمر بن الخطاب في فيئنا، فقد كان لا يألُو النَّاس خيرًا. فقال يزيد بن أنس: صدقَ السائب، كلُّنا على مثلِ رأيه. فقال ابنُ مطيع: نسيرُ فيكم بكلّ سيرة أحْبَبْتُموها. ثم نزل (٣).


(١) هو مَثَل؛ قال أبو عُبيد في "الأمثال" ص ٩٤: إنْ أرادوا أنَّ من ناوَأَنا ذل عندنا قالوا: لا حُرَّ بوادي عَوْف؛ يقول: كل من صار في ناحيته خضع له وذلَّ. وعَوْف: هو ابنُ مُحلِّم الشَّيبانِيّ. وينظر أَيضًا "مجمع الأمثال" ٢/ ٢٣٦. وتحرَّفت كلمة "حرّ" في (أ) و (خ) و (ص) إلى: خير.
(٢) في "تاريخ الطبري" ٦/ ١٠: كسر على ابن الزُّبير الخَرَاج وقال: إنما كانت فتنة، فكفّ عنه ابن الزُّبير.
(٣) تاريخ الطبري ٦/ ١٠ - ١١. (وما سلف بين حاصرتين منه). وينظر "أنساب الأشراف" ٦/ ٤٥.