للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاء ابنُ زياد، فنزل قريبًا منهم على جانب الخازِر، وكان عُمير بن الحُباب السُّلَمي في عسكر ابن زياد، فأرسلَ إلى ابن الأشتر أن الْقَنِي إذا شئت (١). وكانت قيس كلّها بالجزيرة، وهم مخالفون لمروان وآل مروان لما جرى عليهم يوم المَرْج. وكان عُمير في قيس على ميسرة ابنِ زياد، فالتقيا ليلًا، فبايعه عُمير، ووعدَه أن ينهزمَ بالناس، فقال له ابنُ الأشتر: ما رأيك أُخندِقُ علينا ونتلوَّم (٢) يومين أو ثلاثة؟ (٣) قال عُمير: اللهَ اللهَ أن تفعل، نَاجِزْهم، ومتى طاولتَهم جاءتهم الأمداد، فاستظهروا، ووَهَنْتَ. فقال: الآن علمتُ أنك لي ناصح، وكذا أوصاني صاحبي. فقال: صدق (٤)، فلا تَعْدُوَنَّ رأيَه، فإنَّه قد ضَرَّسَتْه الحروب (٥)، وهو شيخُها. فقال: نعم.

وبات ابنُ الأشتر يُعَبِّئُ أصحابَه، فجعلَ في الميمنة سفيان بن يزيد الأزدي، وعلى ميسرته عليَّ بن مالك الجُشَمي، وعلى الخيل أخاه عبد الرحمن بنَ الأشتر (٦)، وعلى الرَّجَّالة الطُّفيل بنُ لَقِيط، وكانت رايتُه مع مالك بن مُزاحم.

فلما طلع الفجر صلَّى بهم إبراهيم الفجر بغَلَس (٧)، ثمَّ سارَ رُويدًا إلى تلٍّ هناك يُشرف على القوم، فنزلَ إبراهيم يمشي، ونظر، فإذا هم لم يتحرك منهم أحد، فأرسلَ عبدَ الله بنَ زهير السَّلُولي يكشفُ أخبارهم، فلقيَه رجلٌ منهم، فناداه: يا شيعة أبي تراب، يا شيعة المختار الكذَّاب، ويحكم! إلامَ تدعون؟ فقال له عبد الله: يا ثارات الحسين، ادفعوا إلينا ابنَ زياد الفاسق الدَّعيّ ابن مَرْجانة لنقتلَه ببعض موالينا، فإنَّه قتلَ ابنَ رسولِ الله .

وجرى بينهما كلام، منه أنَّ عبد الله قال للشاميّ: إذا دفعتُم إلينا ابنَ زياد جعلنا بيننا وبينكم كتابَ الله حَكَمًا. فقال له الشاميّ: قد جَرَّبناكم مرةً في مثل هذا فغدرتُم -يعني


(١) في "تاريخ الطبري" ٦/ ٨٦: أرسل عُمير بن الحُباب إلى ابن الأشتر: إني معك، وأنا أريد الليلة لقاءك، فأرسلَ إليه ابنُ الأشتر أنِ الْقَنِي إذا شئت.
(٢) تلوَّم في الأمر: تمكَّث وانتظرَ.
(٣) قوله: أُخندِق علينا ونتلوَّم يومين أو ثلاثة، جاء بدله في (م): أترى نطاولهم يومين ثلاثة.
(٤) قوله: فقال: الآن علمت أنك. . . فقال صدق. من (أ) و (ص) و (م).
(٥) أي: جرَّبَتْهُ وأحكَمَتْهُ.
(٦) في "تاريخ" الطبري ٦/ ٨٧: وكانت خيلُه قليلة.
(٧) الغَلَس: ظلمة آخر الليل. أي: صلى بهم أولَ الوقت.