للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نوبة الحَكَمْين- فإنَّا جعلناهما بيننا وبينكم، فلم ترضَوْا بحكمهما. فقال له عبد الله: إنهما خالفا واتَّبعا أهواءهما، ولو اجتمعا على رجل واحد تبعنا حكمهما ورضينا به، وإنما اختلفا وتفرَّقا عن غير شيء.

ومضى الشاميُّ إلى عسكره، وعاد عبدُ الله، فأخبر ابنَ الأشتر، فجاء، فوقف على الرايات، وقال: يا أنصار الدين، وشيعةَ الحقّ، وشُرطة الله، هذا ابنُ مَرْجانة قاتلُ الحسين بن عليّ ابنِ فاطمة بنتِ رسول الله ، حال بينَه وبين بناته ونسائه وبين ماء الفرات أن يشربوا منه، فواللهِ ما عمل فرعونُ ببني إسرائيل ما فعلَ ابنُ مَرْجانةَ بأهلِ رسول الله ، وقد (١) جاء الله به إليكم، وأرجو من الله أن يكون سفكُ دمه على أيديكم. وجعل يسير بين الصفوف ويحرِّضُهم.

وزحف القوم، وجعل ابنُ زياد على ميمنته الحُصين بن نُمير السَّكوني، وعلى ميسرته عُمير بن الحُباب السُّلَمي، وعلى الخيل شُرَحْبيل بن ذي الكَلاع (٢)، وكان ابنُ زياد في ثمانين ألفًا وقيل: في ثلاثين ألفًا، وابنُ الأشتر في تسعة آلاف أو عشرة آلاف.

والتقَوْا، فحملَ الحُصين بن نُمير في ميمنة أهل الشام على ميسرة ابن الأشتر وعليها عليُّ بنُ مالك الجُشَمي، فثبتَ، فقُتل عليٌّ، وقُتل رجالٌ من أهل بيته وأهل الحِفاظ، وانهزمت الميسرةُ، فصاح بهم عبد الله بنُ ورقاء السَّلُوليّ وقد أخذَ رايةَ عليّ الجُشَمي: إلى أين يا شُرطة الله (٣)، هذا أميرُكم يقاتلُ.

فأَقْبَلُوا إلى [ابن الأشتر، وإذا به كاشفٌ عن رأسه ينادي: إليَّ إليَّ، فأنا] (٤) ابنُ الأشتر. فثابُوا إليه، فقال لصاحب الميمنة: احْمِلْ على الميسرة. وهو يظنُّ أنَّ عُمير بنَ الحُباب ينهزم، فما انهزم، وثبتَ، وقاتلَ قتالًا شديدًا، فقال ابنُ الأشتر: غَدَرَ وربِّ الكعبة. فما بقي إلا أن يقصدَ هذا السَّواد الأعظم (٥). فقصدوه بالسيوف والعَمَد، وابنُ


(١) في (ص) و"تاريخ" الطبري ٦/ ٨٨: قد.
(٢) في (ب) و (خ): شُرحبيل بن حسنة بن ذي الكلاع، وهو خطأ.
(٣) في "تاريخ الطبري" ٦/ ٨٩: إليَّ يا شرطة الله.
(٤) ما بين حاصرتين من (ص) و (م).
(٥) يعني أن إبراهيم لمَّا رأى ذلك؛ أمرَ أصحابَه أن يقصدوا السَّواد الأعظم ليفضُّوه، فلا يبقى للقوم ثباتٌ بعده. ينظر "تاريخ" الطبري ٦/ ٨٩، و"أنساب الأشراف" ٦/ ٧٩.