للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمرًا، ولكن أحبُّ الأمرينِ (١) إلينا أن يخطبَها أبوه، ويكون ذلك عن أمره. فأتى الحسينُ ذَرِيحًا وقومُه مجتمعون عنده، فقاموا إليه وعظّموه، فقال: يا ذَرِيح، أقسمتُ عليك إلَّا خطبتَ لُبنى على ابنك قيس. فقال: سمعًا وطاعة يا ابنَ رسول الله.

وقامَ، وقام معه أشرافُ قومه إلى الخُزاعي، فخطَبَها، فزوَّجَه إيَّاها، وأقامَتْ معه مدَّة، فشغلَتْه عن خدمة أبيه وأمِّه، وكان من أبرِّ الناس بأمِّه [وأبيه، فلها عنهما]، فوجدت [أمُّه] فِي نفسها، وعرض عليه أبوه وأمُّه أن يتزوَّج غيرَها، أو يتسرَّى، أو يطلِّقَها، فامتنع من ذلك وقال: الموتُ أهونُ من ذلك. فحلف أبوه (٢) لا يَكُنُّه سقفُ بيت حتَّى يُطلِّقَها، فكان يلقى الحرَّ والبرد، فأقام على ذلك مدَّةً (٣).

و [كان] قيس يدخل على لُبْنى فيبكيان وتقول له: [يا قيس] لا تُطع أباك فتُهلكَ نفسَك وتهلكَني، فيقول: ما كُنْتُ لأطيع فيكِ أحدًا.

وألحَّ أبوه وأمُّه وقومُه عليه وقالوا: هلك أبوك. فلم يجد بدًّا من طلاقها، فطلَّقَها، فلقيَ الحسين وعبدُ الله بنُ صفوان أباه، فقال له ابنُ صفوان: فرَّقتَ بينهما فرَّقَ اللهُ عظامك. وقال له الحسين : ويحك! أما بلغك قول عمر بن الخطاب: ما أُبالي فرَّقتُ بينهما، أو مشيتُ إليهما بالسيف.

وأرسلتْ إلى أبيها تُخبرُه بطلاقها، فأرسلَ إليها هَوْدجًا هابلًا، فحملها إليه.

فحينئذ اشتدَّ غرامه بها، وقال فيها الأشعار، فلما استقلَّ هودَجُها [تأسَّفَ وتنفَّس صُعَداء] وقال:

وإني لَمُفْنٍ دَمْعَ عينيَ بالبُكا … حِذارَ الذي قد كان أو هو كائنُ


(١) فِي "الأغاني": أحبُّ الأمر.
(٢) فِي (ص) و (م): فوجدَتْ أمُّه فِي نفسها، ومرضَ قيسٌ مرضًا أشفى منه على التلف، فقالت أمُّه لأبيه: قد خشيتُ أن يموتَ قيس ولا يترك خَلَفًا، وقد حُرم الولدَ من هذه، وأنت ذو مال، فيصيرُ مالُك إلى الكَلَالة، فزوِّجْه غيرها لعلّ اللهَ أن يرزقَه ولدًا. فجمع أبوه قومَه، وأتى قيسًا، فذكر له ذلك، فقال: لستُ بمتزوِّج غيرها. قال: فتسرَّى. قال: ولا أتسرّي. قال: فطَلِّقْها. قال: الموتُ أهونُ من ذلك، ولكن تزوَّجْ أنتَ لعلَّ الله أن يرزقك ولدًا غيري. قال: ما فِيَّ فضل. فحلف أبوه …
(٣) فِي (ص) و (م): … حتى يطلقها، فكان ذَرِيح يخرجُ فيقعدُ فِي الشمس، ويأتي قيس، فيقف على رأس أبيه، ويظلّه بردائه، ويصطلي هو بحرِّ الشمس. ويخرج أبوه فِي الشتاء، فيقف فِي الريح والمطر والبرد. فأقام على ذلك سنة، وقيل: عشر سنين.