للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سقيتم، فقال جلهمة: احبسوا عنَّا هذا فلا يقدم معنا مكة، فإنه قد اتَّبع دين هود، فحبسوه، فأفلتَ وسبقهم إلى مكَّة قبل أن يدعوا بشيء.

وكان الناس مؤمنهم وكافرهم يستسقون عند البيت، وأظهر إسلامه حينئذ، فقال بكر بن معاوية يخاطبه: [الوافر]

أبا سعد فإنَّك (١) من قبيل … ذوي كرَمٍ وأمُّك من ثمودِ

فإنَّا لن نُطيعَك ما بَقينا … ولَسنا فاعلِينَ لدى الوُفود

أتأمرنا لنترك دين رفدٍ … ورملَ وآل صدٍّ والعبود

ونترك دين آباءٍ كرامٍ … ذوي رأيٍ ونَتْبَع دينَ هُود

رفد ورمل وآل صدّ والعبود كلها قبائل من قوم عاد.

ثم وقفوا عند البيت يستسقون، فقال واحد منهم: اللهمَّ إنَّا لم نجئك لأسير نفاديه، ولا لمريض تشفيه، فإن كنت مسقيًا فاسق عادًا ما كنت مسقيه، فنشأت سحابةٌ ونودوا منها: اختاروا لأنفسكم، فقال مرثد: يا ربّ أعطني صدقًا وبرًّا، فأعطي، وقال لقمان بن عاد: يا رب أعطني عمرًا فاختار عمر سبعة أنسر، فكان يأخذ الفرخ حين يخرج من البيضة، ويأخذ الذكر لقوَّته، حتّى إذا مات أخذ غيره إلى أن مات سبعة أنسر، وسنذكره.

وقال ابن الكلبي: ثم نشأت ثلاث سحائب بيضاء وحمراء وسوداء، ثم نودي منها: يا قيل اختر لقومك، فقال: أختار السوداء لأنها أكثر ماءً، فقيل لها: اذهبي إلى عاد خليها رمادًا رمددًا، لا تدع منهم أحدًا. وساقها الله إليهم فخرجت من وادٍ لهم يقال له مغيث، فلمَّا رأوها استبشروا بها وقالوا: ﴿هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ فقال هود: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الأحقاف: ٢٤]. وكان أول من رأى ما فيها امرأة منهم، فصاحت وصعقت، فقيل لها: ما رأيت؟ قالت: ريحًا فيها كشهب النَّار، أمامها رجالٌ يقودونها (٢).


(١) في (ل): "ألا يا سعد إنك" وما أثبتناه من "تاريخ الطبري" ١/ ٢٢١، وعرائس المجالس ٦٤.
(٢) انظر الأبيات والقصة في "تاريخ الطبري" ١/ ٢١٩ - ٢٢١، وانظر "البدء والتاريخ" ٣/ ٣٢ - ٣٣، و"المنتظم" ١/ ٢٥٣، وقد رد ابن كثير في البداية والنهاية ١/ ٢٩٨ هذه القصة.