للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن الكلبي (١): أوَّل ما رأى العذابَ الخَلَجَان ملك القوم، فقال: يا هود ما هؤلاء الذين أراهم في السّحاب مثل البخت؟ فقال: ملائكة العذاب، فقال: أرأيت [إن أسلمت] أيعيذني [ربّك] منهم؟ قال: نعم، هؤلاء جندي، ولو فعلَ ما رضيتُ.

وفي رواية: أنه لما خرجت الريح من الوادي قال الخلجان لرهط معه: تعالوا نردها، فجاؤوا، فجعلت الريح تدخل تحت الواحد فترميه فتدق عنقه، فمال الخلجان إلى جبلٍ فهزَّه فاهتز في يده، فقال له هود: أسلم، فلم يفعل، فهلك فيمن هلك، فسخَّرها الله عليهم ﴿سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ أي متتابعة ابتدأت غدوة الأربعاء وسكنت في آخر اليوم الثامن.

واعتزل (٢) هود ومن معه من المؤمنين فلا يصيبهم منها إلا ما يلين الجلود ويلذُّ النُّفوس.

وقال مجاهد: وكان قد آمن معه أربعة آلاف وذلك قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّينَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ [هود: ٥٨] وكانت الريح تقلع الشجر وتهدم البيوت، ومن لم يكن في بيته منهم أهلكته في البراري والجبال، وكانت ترفع الظعينة بين السّماء والأرض حتى ترى كأنّها جرادة، وترميهم بالحجارة فتدق أعناقهم.

وقال ابن عباس: دخلوا البيوت وأغلقوا أبوابها فجاءت الريح ففتحت الأبواب، وسَفَت عليهم الرَّمل، فبقوا تحته سبع ليالٍ وثمانية أيام، فكان يسمع أنينهم في الرمل، وماتوا (٣).

وقيل: معنى ﴿حُسُومًا﴾ حسمت كل شيء، أي: قطعته وأتلفته.

وقال مقاتل: دخلت عجوز سربًا، فدخلت الريح خلفها فقتلتها، قال: فذلك معنى تسمية العرب هذه الأيام: بأيَّام العجوز.

وقال مجاهد: إنما سميت أيام العجوز لأنها في آخر الشتاء، وقد ذكرناه.


(١) انظر "تاريخ الطبري" ١/ ٢٢٤، وما بين معقوفين زيادة منه.
(٢) هنا ينتهي الخرم في (ب) المشار إليه قريبًا.
(٣) أخرجه ابن الجوزي في "التبصرة" ١/ ٨٠.