وإنما لم يلتفت عبدُ الملك إلى معبد؛ لأنَّه لم يسأله، ومن حُسن الأدب أن يُجيب المسؤولُ، أما إذا أجابَ غيرُه، فهو حُمق.
ثم دخل عمد الملك الكوفة، فخطب وقال: إنَّ عبد الله بن الزبير لو كان خليفة كما يزعم لخرج فآسَى بنفسه، ولم يغرز ذنبَه في الحرم، وقد ولَّيتُ عليكم بِشْرَ بنَ مروان، وأمرتُه بالإحسان إلى أهل الطاعة، والشدة على أهل المعصية، فاسمعوا له وأطيعوا.
واستعمل محمدَ بنَ عُمير على هَمْدان، ويزيدَ بنَ رُويم على الرَّيّ، وعلى البصرة خالدَ بنَ عبد الله بن أسيد. وفَرَّقَ العمَّال، ولم يفِ لأحدٍ شَرَطَ عليه ولايةَ أصبهان بشيء.
وكان قد تنازعَ الرِّياسةَ بالبصرة عُبيدُ الله بنُ أبي بَكْرة وحُمران بن أبان بعد قتل المصعب، فغَلب حُمْران على البصرة، وكانت له منزلةٌ عند بني أمية؛ رأى شيخٌ من الأعراب حُمران، فقال: لقد رأيتُ هذا وقد مال رداؤه عن عاتقه، فابتدرَه مروان وسعيد بن العاص أيُّهما يُسَوِّيه.
وقال أبو عاصم: مدَّ حُمران رِجْلَه، فابتدر معاويةُ وعبدُ الله بنُ عامر أيُّهما يغمزها (١).
وحُمران هو الَّذي نفاه عثمان رضوان الله عليه إلى البصرة، وهو مولاه.
ثم قدم خالد بن عبد الله البصرة واليًا، فأزال ولاية أبي بَكْرَة وحُمْران.
و [قال الهيثم:] دخلَ عبد الملك القصر بالكوفة، وجعل يمرُّ على الأبنية فيقول: مَنْ بَنَى هذا؟ ومن بنى هذا؟ وهم يخبرونه، دقال:
وكلُّ جديدٍ يا أُمَيمَ إلى بِلًى … وكلُّ امرئٍ يومًا يصيرُ إلى كانَ
و [قال أبو القاسم السِّمناني:] جلسَ عبدُ الملك في القصر وبين يديه رأس مصعب، فدخل الشعبي، فقال له عبد الملك: حدثني بأعجب ما رأيتَ أو سمعتَ. فقال: رأيتُ رأس الحسين بين يدي ابنِ زياد ها هنا، ورأيتُ رأس ابنِ زياد بين يدي المختار، ورأيتُ رأس المختار بين يدي مصعب، ورأيتُ رأس بين يديك. فبأيِّ شيء أحدِّثُك [بأعجبَ من هذا]؟ فَتَطيَّر عبدُ الملك من قول الشعبي، وأمرَ بنقض القصر، وبنى غيرَه.