للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأخبرتُه بقول طارق، فقال: هوِّنْ عليك. فقلتُ: أما تخافُ؟! فقال: واللهِ ما خِفْتُ شيئًا سوى ربِّي. ثم قال: أسألُ اللهَ العظيمَ أن يُنْسِيَه ذِكري.

قال: فانصرفتُ عنه، وجعلتُ أسألُ: هل كان في المسجد شيء؟ ولا أُخبَر إلا بالخير. قال: فأقام طارق واليًا علينا سنة لا يخطر ببالِه سعيد.

ثم عُزل طارق، فخرج من المدينة قاصدًا وادي القُرى، فنزل فيه وبينَه وبين المدينة خمس مراحل، فقال طارق لغلامه: واسوأتاه من علي بن الحسين وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد، حلفتُ بين أيديهم ثلاثة أيمان بالله لأقتلنَّ سعيدَ بنَ المسيِّب، والله ما ذكرتُه إلا في هذه الساعة. فقال له غلامُه: ما أراد الله لك خيرٌ مما أردتَ لنفسك إذ أنساك ذكره (١). فقال: صدقتَ، اذْهَبْ فأنتَ حُرٌّ لوجه الله تعالى (٢).

وفيها بلغَ الخوارجَ أنَّ مصعبَ بنَ الزُّبير قد قُتل، وكانوا نازلين بسُولاف (٣)، وفي مقابلهم المُهَلَّب، وعبدُ العزيز بن عبد الله بن خالد بن أَسِيد، وكانوا قد اقتتلُوا ثمانية أشهر أَشَدَّ قتال، وبلغ الخوارجَ قتلُ مصعب قبل أن يبلغ المهلَّبَ وأصحابَه، فناداهم الخوارج: ما تقولون في مصعب؟ قال المُهَلَّب وأصحابُه: إمامُ هدًى، هو وليُّنا في الدنيا والآخرة. قالوا: فما تقولون في عبد الملك بن مروان؟ قالوا: ذاك ابنُ اللَّعين. قالوا: فأنتم منه بُرَآء في الدنيا والآخرة؟ قالوا: نعم، ونحن له أعداء؛ كعداوتنا لكم. قالوا: فإنَّ إمامَكم المصعب قد قتلَه عبدُ الملك بنُ مروان، وإنكم ستجعلون عبدَ الملك غدًا إمامكم، وأنتم الآن تلعنون أباه، وتتبرَّؤون منه. قالوا: كذبتُم يا أعداء الله. فلما كان من الغد تبيَّن لهم قتلُ مصعب، فبايع المُهَلَّبُ الناسَ لعبد الملك، فناداهم الأزارقة: يا أعداء الله، بالأمس تدَّعون أنَّ مصعبًا إمامُكم، وتتبرَّؤون من عبد الملك، وتلعنون أباه، واليوم تُوالونَه وتُبايعونه بالخلافة، وقد قتلَ إمامَكم الَّذي كنتُم تَتَوَلَّوْنَه في


(١) المثبت من (م). وفي غيرها: لذكره.
(٢) ينظر "اعتقاد أهل السنة" ٩/ ١٨٤ - ١٨٥، و"المنتظم" ٦/ ١٢٠ - ١٢١.
(٣) قرية غربيّ دُجيل من أرض خُوزستان. "معجم البلدان" ٣/ ٢٨٥. وتحرَّفت في النسخ (غير م فالكلام ليس فيها) إلى سولان. والمثبت من "تاريخ" الطبري ٦/ ١٦٨.