للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها كتب عبدُ الملك إلى أخيه بِشْر بن مروان إلى البصرة أن يولِّيَ المُهَلَّبَ بن أبي صُفْرة قتال الخوارج، ويندب معه من أعيان فرسان البصرة والكوفة.

فدعا بِشْرُ المهلَّبَ، فأوقفه على الكتاب، وأمرَه أن ينتخبَ من شاء، وشَقَّ على بِشْر أنَّ إمْرَةَ المهلَّب جاءت من قِبَل عبدِ الملك، ولا يقدرُ على مخالفته، فأوغَرَتْ صدرَه على المهلَّب.

ودعا بشرٌ عبدَ الرحمن بن مِخْنَف وقال: قد عرفتَ منزلَتَك عندي ومكانك، وقد ولَّيتُك على جند الكوفة [فكن] عند إحسان ظنِّي بك، وانظر إلى هذا الكذا وكذا -يقع في المهلَّب- فلا تلتَفِتَنَّ إليه، ولا تقبلنَّ له مشورة، وتَنَقَّصْه.

قال عبد الرحمن: فأخذ يُغْريني بابن عمتي المهلَّب، وتركَ وصيَّتي بالجند وقتال العدوّ، والنظر للإسلام، فلم أنشط إِلى قوله، وقلت: هذا الغلام يستصبيني وأنا شيخ.

فلما رآني غيرَ مقبل على كلامه قال: ما الذي بك؟ قلت: وهل يسعُني إلا إنفاذُ أمرك في كلِّ ما أحببتُ وكرهت؟ قال: امْضِ في دَعَةِ الله.

فخرج المهلَّب بأهل البصرة، فنزلَ رامَهُرْمُز، وخرج عبد الرحمن بأهل الكوفة، فنزل قريبًا من المهلَّب، فأقاموا عشَرة أيام، وجاء نعي بِشْر، وكان قد استخلف بِشرٌ على البصرة خالدَ بنَ عبد الله بن أسيد.

ولمَّا وصلَ الخبرُ بوفاة بِشر تسلَّل كثيرٌ من أهل البصرة والكوفة، فكان ممَّن تسلَّل من أهل الكوفة زَحْرُ بنُ قيس، وإسحاقُ بنُ محمَّد بن الأشعث، ومحمد بنُ عبد الرحمن بن سعد (١) بن قيس.

فبعث عبدُ الرحمن بنُ مِخْنَف ابنَه جعفرًا في آثارهم، فردَّ إسحاق ومحمدًا، وفاتَه زَحْر بنْ قيس، فحبسهما أيامًا (٢)، ثم أخذ عليهما العهد أن لا يُفارقاه، ثم أطَلَقهما، فهربا إلى الأهواز، وبها زَحْرُ بنُ قيس، واجتمع [بها] ناس كثير يريدون البصرة.


(١) في "تاريخ" الطبري ٦/ ١٩٧: سعيد.
(٢) في المصدر السابق: يومين.