للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تصبح وجوهكم في اليوم الأول محمرَّة، وآية العذاب أن تصبح في اليوم الثاني مصفرَّة، والثالث مسودَّة، وذلك في يوم الخميس والجمعة والسبت. وكانوا في ذلك الوقت يسمُّون الأيام بأسمائها القديمة: فيوم الخميس مؤنس، والجمعة عَروبة، والسَّبت شيار.

فأصبحت وجوههم في اليوم الأوَّل كأنما طليت بدم، وفي اليوم الثاني كأنما طليت بالخَلوق، وفي اليوم الثالث كأنما طليت بالقار. ونودوا ألا إن العذاب قد حضر، فتحنَّطوا وتكفَّنوا بالأنطاع، وحفروا قبورهم ونزلوا فيها، ظنًّا منهم أن الله يرحمهم. فإذا بجبريل قد ظهر من المشرق، فسدَّ عين الشمس وصاح بهم صيحةً ارتجَّت لها الدنيا وقال: موتوا لعنكم الله. فتقطَّعت قلوبهم في صدورهم وماتوا جميعًا.

وكان رجل منهم يقال له: أبو رغال في حرم مكة، فمنعه الحرم من العذاب، وسنذكره في قصَّة أصحاب الفيل.

قال ابن عباس فذلك معنى قوله تعالى: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيرُ مَكْذُوبٍ﴾ [هود: ٦٥] ومعنى تمتعوا: عيشوا ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٦٧)[هود: ٦٧] أي: هالكين صرعى ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ [هود: ٦٨] أي يقيموا.

قال قتادة: كان مُلْكُ ثمود إلى أن هلكوا مئتين وثمانين سنة، وكان ملكهم جندع بن عمرو، وقد أسلم فنجَّاه الله تعالى، واعتزلهم هو وأخوه، وقال: [من البسيط]

كانَت ثمودُ ذوي عَزمٍ (١) ومكرُمةٍ … ما إنْ يضامُ لهمْ في النَّاس من جارِ

فأَهلكوا ناقةً كانت لربهمُ … قَد أنذَرُوها وكانوا غير أبرارِ

قال مقاتل: واسم العذاب الذي عذِّبوا به الطغوى، وهو معنى قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (١١)[الشمس: ١١] ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ﴾ الدمدمة: الهلاك بعنف، وهي صيحة جبريل ﴿فَسَوَّاهَا﴾ [الشمس: ١٤] أي: قلب بيوتهم فسوَّاها بالأرض ﴿وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (١٥)[الشمس: ١٥] أي: العاقر؛ لأنه لو خاف لما عقرها.


(١) في مروج الذهب ٣/ ٩٠: عزٍّ، ونسب فيه البيتان إلى حباب بن عمرو.