قرأت على شيخنا أبي اليمن الكندي ﵀ في معنى "فدمدم" حكايةً قرأها على شيخه أبي منصور بن الجواليقي عن مشايخه، عن الأصمعي قال: أشكل عليَّ في القرآن مواضع، فسألت عنها رجالًا من أهل العلم فلم أجد عندهم علمًا منها، فدخلت البادية أطلب العرب الخُلَّص، فنزلتُ على عجوز، قال: والذي أشكل عليَّ قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤)﴾ [الانشقاق: ١٤] ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ﴾ [ق: ١٠] ﴿يُرْسَلُ عَلَيكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ﴾ [الرحمن: ٣٥] ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيهِمْ رَبُّهُمْ﴾ [الشمس: ١٤] ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس: ٣٩].
قال: فأقمت عند العجوز ذلك اليوم فقالت لابنتها: أين العصفور الذي كان ها هنا؟ فقالت: ذهب، فقالت: قومي فانظري ما حاله، فقامتا وذهبت، وعادت وبيدها عصفور فأخذته العجوز وقالت: ويحك، ظننتُ أن لن تحورَ. أي: ترجع إلينا، فقلت: هذه واحدة.
ثم قالت: أين أبوك؟ فقالت: عند تلك الباسقة. وأشارت إلى نخلة عالية، فقلت: هذه الثانية.
فقالت: اذهبي إليه ليحضر إلى الضيف، فذهبت وعادت ثم قالت: مضى إلى ذلك النُّحاس. وأشارت إلى دخان بعيدٍ. فقلت هذه الثالثة.
ثم جاءت بقصعة فيها ثريد فأكلت منها ثم قالت: يا بنيَّة اغسلي القصعة ودمدميها، فغسلتها وكبَّتها، قال: فقلت: وهذه الرابعة.
ونمت عندهم فلمَّا كان آخر الليل قالت: يا بنية، اجلبي للضيف، فقالت: إنه ليل، فلما طلع الفجر قالت: يا أمَّاه، قد طلع الفجر، فقالت: ومن أين علمت؟ قالت: قد برد عرجوني، يعني خلخالها، قال: فانصرفت وقد استفدت من العجوز جميعَ ذلك.
وقال ابن عباس: كان صالح ينزل الحِجر وبينه وبين وادي القرى ثمانية عشر ميلًا. ولما سار النبي ﷺ إلى تبوك لم ينزل الحجر، وسنذكره في سيرته.
قال مقاتل: وضربت بهم العرب المثل في الشؤم فالوا: أحمد ثمود، وقالوا في الفصيل: رغا فوقهم سقب السماء، فصار مثلًا لكل من يهلكه الله تعالى.