للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسلاح عتيد ينتدب لها، فيُخمِدَ نيرانَها ويُبيدَ شُبَّانها؟ فلم يُجبه أحد، فأعاد القول مرارًا، فلم يُجبه أحد، فقام الحجَّاج فقال: أنا لها. فقال وهو يعرفه: انتسبْ. وإنما أراد أن يبيّن للناس فصاحتَه. فقال: أنا الحجَّاج بن يوسف بن الحَكَم بن أبي عقيل بن مسعود الثقفيّ صاحبِ رسول الله وعظيمِ القريتين. قال: فما أعددتَ لهم؟ قال: ألبَسُ لهم جلد النَّمِر، وأخوضُ الغَمَرات، وأقتحم المهالك، فمن خالفني طلبتُه، ومن لحقتُه قتلتُه، أسومُهم بعَجَلة وريث، وتبسُّم وازورار، وطلاقة وتجافي، وصلة وحرمان، فإن استقاموا كنتُ لهم واليًا حفيًّا، وإن لم يستقيموا لم أُبقِ منهم طُورِيًّا (١)، ولا عليك يا أمير المؤمنين أن تُجرِّبَني، فإن كنتُ للأموال جمَّاعًا، وللأيدي قطَّاعًا، وللأرواح نزَّاعًا، وإلا فاستبدلْ بي، فإنَّ الرجال كثير. فقال عبد الملك: أنت لها.

وقال الزُّبير بن بكَّار: لما قَتَلَ الحجَّاجُ ابنَ الزبير استدعى إبراهيمَ (بنَ محمد) بن طلحة التيميّ، فقرَّبه وأدناه، ورفع منزلته، فلم يزل على حالِهِ تلك حتى خرجَ الحجَّاج إلى عبد الملك في آخر سنة أربع وسبعين (٢)]

ذكلر قصة إبراهيم بن محمد بن طلحة مع عبد الملك بن مروان:

قال الزُّبير بن بكَّار: فلمَّا خرج الحجَّاج إلى الشام استصحب (٣) معه إبراهيم بن محمد، وكان من رجالات قريش علمًا وعملًا، وزُهْدًا ووَرَعًا وعبادة، وكان الحجَّاجُ لا يتركُ من إجلاله وبِرِّه شيئًا، فلما قَدِما على عبد الملك؛ أذن للحجاج في الدخول عليه، فلما دخل سلَّم، ولم يبدأ بشيءٍ إلا أن قال: يا أمير المؤمنين، قدمتُ عليك برجلِ أهل الحجاز، لم أَدَعْ له فيه نظيرًا في كمال المروءة والأدب والذيانة والسِّتر، وحُسْنِ المذهب، والطاعةِ والنصيحة، مع القرابة ووجوبِ الحقّ. قال: ومَنْ هو؟ قال: إبراهيمُ بن محمد بن طلحة، فليفعل معه أميرُ المؤمنين ما يفعلُه بأمثاله. فقال عبدُ الملك: ذكَّرتَنا حقًّا واجبًا، ورَحِمًا قريبة. ثم أذن له [في الدخول].


(١) أي: أحدًا. ووقع في (ص) (والكلام منها): طَويا. والمثبت من "الأوائل" للعسكري ٢/ ٦٨.
(٢) من قوله: وهذا قول من قال إن الحجاج سار … إلى هذا الموضع (وهو ما بين حاصرتين) من (ص). وينظر "الأوائل" للعسكري ٢/ ٦٧ - ٦٨ و "المنتظم" ٦/ ١٥٦ - ١٥٧.
(٣) في (أ) و (ب) و (خ) و (د): وفي آخر سنة أربع وسبعين استصحب … الخ. والمثبت من (ص).