للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما دخل قرَّبَهُ وأدناه، ثم قال له: إنَّ أبا محمد ذكَّرَنا ما لم نزلْ نعرفُك به من الفضل والأدب، وحُسن المذهب، مع قرابة الرَّحم، ووجوبِ الحقّ، فلا تدعَنَّ حاجةً من خاصِّ أمرك إلا ذكرتَها، فقال إبراهيم: إن أولى الأمور أن تفتح به الحوائج، وتُرجى به الزّلَف ما كان لله فيه رِضي، ولحقِّ رسولِ الله أداء، ولجماعة المسلمين فيه نصيحة. قال: وما هو؟ قال: إن عندي نصيحة لا أجدُ مِنْ ذِكْرِها بدًّا، ولا يُمكن البَوْحُ بها إلا وأنا خالٍ، فأخْلِني. فقال: أوَ دون أبي محمد؟ قال: نعم. فأشارَ عبدُ الملك إلى الحجَّاج فخرج، فقال: قُلْ. فقال: يا أمير المؤمنين، إنك عَمَدْتَ إلى الحجَّاج مع تغطرسه وتعترسه وتعجرفه لِبعده عن الحقّ وركوبِه إلى الباطل، فولَّيتَه الحَرَمَين، وبهما من أولاد المهاجرين والأنصار والصحابة مَنْ قد علمتَ، يسومُهم الخسفَ، ويقُودُهم بالعنف، ويحكمُ فيهم بغير الحقّ، ويطؤهم بطَغَام أهلِ الشام، ورَعاع لا رَوِّيَة لهم في حقّ، ولا في إزاحة باطل، ثم تظن أن ذلك يُنجيك غدًا من عذاب الله تعالى! فكيف بك إذا جاءك (١) غدًا محمدٌ (٢) للخصومة بين يدي الله تعالى في أمَّته (٣)؟ أما والله إنَّك لن تنجوَ هناك إلا بحجَّةٍ تضمنُ لك النجاة، فأبق (٤) على نفسك، أو دَعْ، فقد قال رسول الله : "كلّكم راع، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته".

قال إبراهيم: وكان عبدُ الملك متَّكئًا، فاستوى جالسًا، وقال: كذبتَ ومِنْتَ (٥) فيما جئتَ به، ولقد ظنَّ بك أبو محمد ظنًّا لم نجده فيك، وربَّما ظُنَّ الخيرُ بغيرِ أهله، قُمْ فأنتَ الكاذب المائن الحاسد.

قال: فقمتُ وواللهِ ما أُبْصِرُ شيئًا، فلما جاوزتُ السِّتر لحقني لاحقٌ من ورائي، فقال للحاجب: احبس هذا، وائذنْ للحجَّاج. فدخل، فلبثتُ مَلِيّا ولا أشكّ أنهما في أمري، ثم خرج الإذْن لي فدخلتُ، فلما كشف السِّتر؛ إذا أنا بالحجَّاج وهو خارج،


(١) المثبت من (ص)، وفي النسخ الأخرى (غير م): جاباك. وينظر التعليقان التاليان.
(٢) في النسخ الخطية: محمدًا. وأثبتُ اللفظة على الجادة فيما ظهر لي.
(٣) في "تاريخ دمشق" ٢/ ٥٠٩ (مصورة دار البشير): ثم ظننتَ أنَّ ذلك فيما بينك وبين الله ينجيك، وفيما بينك وبين رسول الله (ص) يُخلِّصُك إذا جاءتاك للخصومة في أمته.
(٤) في "تاريخ دمشق": فأفِقْ.
(٥) أي: كذبت.