للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكتب عثمان بن قَطَن عامل المدائن إلى الحجاج: أما بعد، فإن عبد الرحمن قد حَفَر أرضَ جُوخى كلّها خندقًا واحدًا، وخلّى شبيب يَفعل ما يُريد، وقد كسر الخَراج، والسلام.

فكتب إليه الحجاج: سِر إلى المارِقة حتى تَلقاهم؛ فأنت أميرُ الناس، والسلام. وولّى الحجاج على المدائن مُطَرِّفَ بن المغيرة بن شُعبة.

وسار عثمان بن قَطَن إلى عسكر عبد الرحمن لما وَرد عليه كتابُ الحجاج، فوافى عَسْكرَ ابنِ الأشعث ليلةَ التَّروية عَشِيةَ الثُّلاثاء، فوقف على الناس وقال: اخرجوا إلى قتال عدوّكم، فناشده اللهَ الناسُ أن يَصبر عليهم إلى الغد، وهو يَأبى، فقال له عبد الرحمن: انزل، فالذي تُريده الساعةَ من مُناجزتهم أنت قادر عليه غدًا، والناس غير مُوَطّني أنفسهم على القتال (١)، وما زالوا به حتى نزل، وبات طول الليل يُعَبِّئ الناس، فأصبح الناس على تَعبية في يوم التَّروية، فثارت ريحٌ شديدة في وجوه الناس وغَبَرة، فصاحوا: يا عثمان، خَفِ اللهَ فينا، فعاد بهم إلى المنزل، فلما طلع الصباح يوم الخميس خرج بهم على التَّعبية التي كان يسير عليها عبد الرحمن.

وجاء شبيب في مئة وثمانين (٢) رجلًا، فصف أصحابه على العادة، ووقف هو في القلب، واقتتلوا فهزمهم شبيب، وقتل أعيانَ أهل الكوفة: عَقيل بن شَدّاد، ومالك بن عبد الله الهَمْداني عم عَيّاش بن عبد الله بن عيَّاش المَنتوف، وقتل شبيب خالد بن نَهيك الكِندي وكان على ميمنة عثمان بن قطن، وقَتل مَصَاد أخو شَبيب عثمان بنَ قَطَن الأمير، وقُتل الأَبْرَد بن رَبيعة الكندي، ووقع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث؛ فرآه ابنُ أبي سبْرَةَ الجُعْفِيّ وهو على بَغْلَةٍ فعرفه، فنزل وقال له: أنت الأمير فاركب على مُقَدَّم البغلة، وأردفه ابنُ أبي سَبْرة، وجالت الفسيفساء فرس الجَزْل الذي أعطاها لعبد الرحمن في العسكر، فأخذها رجل من أصحاب شَبيب.


(١) في الطبري ٦/ ٢٥٢ أن القائل له ذلك: عقيل بن شداد السلولي.
(٢) في (خ): مئة وخمسين، وفي الطبري ٦/ ٢٥٣: مئة وأحد وثمانين.