للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاء الحجاج فوقف عند مسجد شبيب، ثم صاح: يا أهل الشام، يا أهل السَّمعِ والطّاعة، هذا أوّلُ الفتح، وقال خالد بن عَتَّاب بن وَرْقاء للحجاج: ائذن لي في قتالهم فأنا مَوْتُور، فأذن له، فخرج في جماعة من أهل الكوفة، حتى أتى القومَ من ورائهم وقاتل. فقُتل مَصَاد أخو شبيب، وقُتلت غزالة [امرأة شبيب، قتلها فَرْوَة بن الدّفَّان الكلبي، وحَرّق في عسكره.

قال الهيثم: قَتلت غزالةُ في ذلك اليوم، من أهل الكوفة مئةَ فارس، فجاءها فَروةُ بن الدَّفّان الكلبي من خلفها، فطعنها. فوقعت، فقتلها وحَرّق في عسكره. [قال الهيثم:] ولم يلق أحد ما لقي الحجاج منها، فرُوي أنه خرج في الليلة التي دخلت فيها [إلى] المسجد، وصلّت [ركعتين قرأت فيهما البقرة وآل عمران، وخرج الحجاج، مُستخفيًا، فلما خرجت من المسجد رأته، فقالت: الحجاج ورَبّ الكعبة، أين شَبيب؟ وكان شبيب واقفًا على رأس السكّة، فحملت على الحجاج فولّى، فدَقّته بالرُّمح بين كَتِفيه، فكان يُعيَّر بها، وفيه يقول الشاعر: [من الكامل]

أَسَدٌ عليَّ وفي الحروب نَعامَةٌ … رَبْداءُ تَجفُلُ من صَفيرِ الصَّافرِ

هلّا بَرَزْتَ إلى غزالةَ في الوَعَى … بل كان قلبُك في مَخالبِ طَائِرِ

فزعَتْ غَزالةُ قلبَه بفَوارس … تركتْ كَتائبَهُ كأمْسِ الدَّابرِ (١)

[وقال أبو اليقظان:] كان عبد الملك إذا غضب عليه عَيَّره بها، فيكتب إليه:

هلّا برزتَ إلى غزالة في الوَغَى

الأبيات، ويقول: قَبَّح الله الأُخَيفش، أيختبئ من امرأة، فلما بلغ عبدَ الملك قتلُها، وقيل له: إن الحجاج يقول: إنني قتلتُها، فقال: كذب، والله ما قتلها إلا أنا (٢)، يعني أن جَيشَه قتلها.

[وقال أبو اليقظان:] كانت مدّةُ شبيب التي سُلِّم عليه فيها بإمرة المؤمنين ثلاثَ سنين وشهورًا. ولما بلغ الحجاج الخبرُ كبّر وكبّر أصحابُه.


(١) لم ترد الأبيات في (م)، وورد منها في (ص) بيت واحد هو: هلا برزت … ثم قال عقبه: من أبيات، ونُسبت الأبيات لعمران بن حِطَّان، وقيل لغيره. وانظر تخريجها ونسبتها في شعر الخوارج ١٦٦ - ١٦٧.
(٢) في (ص): إلا الماء.