للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما شبيب فلما رأى ذلك ركب فرسه، وأمر أصحابه بالرُّكوب، وصاح الحجّاج: شُدُّوا عليهم فشَدّوا، فانهزا أصحابه، وتخلَّف شَبيب في حاميةٍ من أصحابه، وقطع الجسر، وتبعَتْه خيل الحجاج، فجعل يَخفق برأسه، فقال له بعض أصحابه: يا أمير المؤمنين، التَفتْ فانظر مَن خلفك، فالتفت غير مُكترث، ثم أكبَّ يَخفق برأسه، فدَنَوا منه، فقيل له: التفت، فلم يكترث، وبعث إليهم الحجاج: ارجعوا ودعوه في خزي الله، فرجعوا.

وصعد الحجاج المنبر فقال: والله ما قوتل شبيب مثلَها، هرب وترك امرأته يُكْسَر في استها القَصَب.

وبعث خلفه حَبيب بن عبد الرحمن الحَكمي في ثلاثة آلاف من أهل الشام، وقال له: احذرْ بَياتَه، وحيثما لَقيتَه فنازلْه، فسار حبيب حتى نزل الأنبار، فبيّتهم شبيب، واقتتلوا طُولَ الليل، فقُتل من أصحاب حبيب مئة، وقُتل من أصحاب شَبيب ثلاثون، وكانت ليلةً مثلَ ليلةِ الهرير (١)، فُقئت فيها العيون، وقُطعت فيها الأيدي، وكَثُرت القَتْلى بين الفريقين، فلما كان عند الصُّبح انصرف شَبيب عنهم، وسار إلى الأَهْواز، ثم إلى فارس، ثم إلى كِرْمان فأقام بها، وتراجع إليه بعض أصحابه، وقَويت شوكتُه.

وغَرِق شبيب في هذه السنة [في قول هشام بن محمد، وفي قول غيره] سنة ثمان وسبعين. [وسنذكره في آخر هذه السنة].

وفيها خرج مُطَرّف بن المغيرة بن شعبة على الحجاج، وخلع عبد الملك، ورأى رَأْيَ الخوارج، وسنذكره في آخر هذه السنة.

وفيهما وقع الاختلاف بين الأزارقة الذين كانوا يُحاربون المُهَلَّب بن أبي صُفرة (٢).

أقام المهلّب بسابور يُقاتل قَطَرِيّ بن الفُجاءة من الأزارقة -بعدما سار عتّاب بن وَرْقاء إلى الكوفة- سنةً، ثم زحف إليهم في يوم البُستان، فقاتلهم قتالًا شديدًا، وكانت كرمان في يد الأزارقة، وفارس في يد المُهَلّب، فحسَم عنهم المُهَلَّب مَوادّ فارس، فضاق بهم الأمر [في مكانهم الذي هم به، فخرجوا إلى كرمان، وتبعهم المهلّب فنزل


(١) هي ثالثُ ليلة في وقعة صفّين وآخُوها، سُمّيت بذلك لتركهم الكلام، فكانوا يَهِرُّون هَرّا، وشُبّهت بليلة القادسية، والهَرِير (كما في المصباح) صوت الكلب دون النُّباح، وبه يُشَبَّهُ نظرُ الكُماة بعضِهم إلى بعض.
(٢) من هنا إلى قوله: وحج بالناس أبان بن عثمان (بعد صفحتين)، ليس في (ص) و (م).