للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهو الذي نريد من هلاكهم، وإن اجتمعوا بعد ذلك اجتمعوا وقد ضعفوا ووَهنوا، فكان ذلك عونًا لنا على قتالهم واستئصالهم (١).

ثم إنهم افترقوا، فخرج قَطَري إلى طَبَرِسْتان، وبقي عبد الكبير فنهض إليه المُهَلّب، فقاتله ققالًا شديدًا، فنصره الله عليهم، فلم يَنْجُ منهم إلا اليسير، وهلك قَطَرِيّ وعبد الكبير ومَن كان معهم من الأزارقة.

وسبب هلاكهم أن الحجاج لما بلغه اختلافُهم وجَّه سفيان بن الأَبْرَد في جيشٍ عظيم في طَلب قطري، فتبعه إلى الرَّيّ، وكتب الحجاج إلى إسحاق بن محمد بن الأشعث وهو على جيش لأهل الكوفة بطَبرستان: أن يتّفق مع سفيان ولا يُخالفه، فسارا جميعًا، فلحقوا قَطَريًّا في بعض الشِّعاب، فقاتلوه، فتفرَّق عنه أصحابه، ودخل الشِّعْب، فوقع من دابته، فرآه عِلْجٌ من أهل تلك البلاد، فنذر به ولم يعرفه، وكان قد عطش، فطلب منه ماءً فلم يسقه، ودَهدَه عليه العِلْجُ حَجرًا عظيمًا، فأصابه فأثبته ولم يقدر على القيام، وجاءه جماعة من أهل الكوفة فقتلوه، وخرج برأسه إلى الحجاج أبو الجَهْم بن كِنانة الكَلْبيّ بعد أن ادّعى قتلَه جماعة، فأحسن إليه الحجاج وزاده عبد الملك في العطاء فصار في ألفين.

وكان مع قَطَري عُبَيدة بن هلال الخارجيّ، فلما قُتل قطري سار عبيدة فتحصّن بقصر قُومِس، فحصره فيه سفيان بن الأبْرد، وأقاموا أيامًا، فنادى سفيان: أيما رجل قتل صاحبه ثم خرج إلينا فهو آمن، وقال عبيدة بن هلال: [من الطويل]

لَعَمري لقد قام الأَصَمُّ بخُطبةٍ … لذي الشَّكّ منها في الصُّدور غَليل

لَعَمري لئن أعطيتُ سُفيانَ بَيعتي … وفارقت دِيني إنني لَجَهولُ

إلى الله أشكو ما أرى بجِيادنا … تَسَاوَكُ (٢) هَزْلَى مخهُنَّ قليلُ

وأقام عبيدة أيامًا في الجَوْسَق، فاشتدَّ بهم الحصار، فكسروا جفون سيوفهم، وخرجوا إلى سفيان بن الأبرد، فقاتلوا حتى قُتلوا، وبعث سفيان برؤوسهم إلى الحجّاج.


(١) هذا كلام المهلب لا الحجاج، ذكر ذلك الطبري ٦/ ٣٠٣ - ٣٠٤، وابن الجوزي ٦/ ١٩٤.
(٢) أي تسير سيرًا ضعيفًا، والأبيات في "تاريخ الطبري" ٦/ ٣١١، و"أنساب الأشراف" ٦/ ٥٤٩، و"شعر الخوارج" ١٠٠ - ١٠١ وتخريجها ثمة.