وللحرب سُمِّينا وكنا مُحارِبًا … إذا ما القَنا أمسى من الطَّعنِ أحمرا
فنال منه الحجاج، فقال: إن صَدَقناك أغضبناك، وإن غَشّيناك أغضبنا الله، وغضبك علينا أهون من غضب الله، قال: أجل.
وشُغل عنه الحجاج ببعض الأمر، فانسل جامع من وراء الصُّفوف التي لأهل الشام، حتى خالط صفوف أهل العراق، فأبصر كَبْكَبةً عظيمة من بكر وقيس وتميم والأزد، فلما رأوه انحازوا إليه، وقالوا له: ما عندك؟ فقال: دعوا التَّعادي فيما بينكم، فإذا ظفرتم تراجعتم، وهل ظَفِر الحجاج بمَن ظفر منكم إلا بمن بقي معه منكم؟! ثم هرب جامع إلى الشام، فاستجار بزُفَرَ بنِ الحارث، أو ببعض وَلَده، فاجاره.
[وحكى الخطيب، عن الرِّياشِيّ قال:] قال الحجاج للحسن البصري لما فرغ [من بناء واسط]: كيف ترى هذا البناء؟ فقال الحسن: إن الله أخذ العهود والمواثيق على العلماء ألا يقولوا إلا الحق، أما أهل السماء فمَقَتوك، وأما أهل الأرض فغَرُّوك، أنفقتَ مال الله في غير طاعته، وفعلت وفعلت، فنكس الحجاج رأسَه، وقام الحسن فخرج، فقال الحجاج: يا أهل الشام، يشتِمني عبدٌ من عبيد أهل البصرة في مجلس ولا يكون لذلك تغيير ولا نكير؟! رُدُّوه، ودعا بالنِّطع والسيف، فلما دخل الحسن عليه ورآه الحجاج؛ قام من مَجلِسه، وأجلسه معه على سريره، ودعا بغالية فغلَّف بها لحيته، وصرفه مكرمًا.
فلما خرج أتبعه الحجاج حاجبَه وقال له: قل له: لما دخلت عليّ وقد عزمتُ على قتلك رأيتُك حرَّكت شفتيك، فما الذي قلت؟ فقال الحسن: وما عليه مما قلت؟ فقال الحاجب: اللهَ الله، إنه الحجاج، فقال الحسن: دعوتُ الله فقلت: يا عُدَّتي عند شِدَّتي، ويا وليَّ نعمتي، ويا صاحبي عند كُربَتي، ويا إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، ويا كهيعص، بحقّ طه وياسين والقرآن العظيم؛ ارزقني معروفَ الحجاج ومودَّتَه، واصرف عني أذاه ومَعَرَّتَه، فقال الحاجب: بخٍ بخ، بهذا نجوتَ، وأعاد على الحجاج ما قال، فقال: اكتبوها.
قال الريِّاشي: فوالله ما وقعتُ في شدّة فدعوت الله بها إلا فَرَّج عني (١).