للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا تأخذَ منهم خراجًا، كل هذا هربًا من الموت الذي أنت صائر إليه. وانفرد عنه شُريح بأعيان أهل الكوفة والبصرة.

وبعث عبيد الله إلى رُتْبيل: إني قد صالحتُك على ما صالحتك عليه، وهذا رجل واحد من أصحابي قد عصاني -يعني شُريحًا- ولست ناصره عليك. فخذل شُريحًا.

وكان شريح شجاعًا، فكتَب الكتائب؛ فجعل أهل الكوفة كتيبة، وأهل البصرة كتيبة، وأهل الشام كتيبة، وانحاز عنه عبيد الله ناحية، ثم قاتل شريح قتالًا لم يقاتله أحد، فقُتل وأعيانُ الناس معه.

وأَذِن رُتبيل لابن أبي بَكْرة فخرج، فجعل أصحابه يأكلون الطعام، فإذا أكلوه ماتوا، فلم يصل [إلى بُسْت] إلا في خمسة آلاف رجل؛ بعد أن كانوا ثلاثين ألفًا، وبيع الرغيف بأربعين دِرهمًا، ولَقُوا ما لم يلقه أحد.

[قال المدائني:] ولما رأى عُبيد الله ما جُنده فيه من الجوع والجهد باعهم الطعام والتبن والعَلَف والحِصرم وغيره، فقال أعشى همدَان -واسمه عبد الرحمن بن الحارث- من قصيدة: [من الكامل]

أسمعتَ بالجيشِ الذين تَمزَّقوا … وأصابهم رَيبُ الزمانِ الأعوجِ

حُبِسوا بكَابُلَ يأكلون جِيادَهم … بأضَرِّ منزلةٍ وسُوء مُعَرّجِ

لم يَلْقَ جيشٌ في البلاد كما لَقُوا … فلمثلهم قُل للنَّوائحِ تَنْشِجِ

واسأل عُبيدَ الله كيف رأيتَهم … عشرين ألفَ مُجَفْجِفٍ ومُدَجَّجِ

ما زلتَ تُوغلهم كما زَعموا لنا … وتَرُومُهم وتَسيرُ سيرَ الأَهْوَج

وتَبيعُهم أَتْبانَهم وشعيرَهم … وتَجرتَ بالعِنَبِ الذي لم يَنْضُجِ (١)

ومات عبيد الله في هذه السنة كَمَدًا، [وقتل شريح بن هانئ بسجستان].

قال المصنف : المنقول (٢) عن عبيد الله خِلافُ هذا؛ فإنه لم يكن في زمانه أسخى منه [لما نذكر في ترجمته].


(١) الأبيات بنحوها في "أنساب الأشراف" ٦/ ٤٢٣ ضمن قصيدة، ومنها ثلاثة أبيات في المعارف ٢٨٩.
(٢) في (ص) و (م) وما بين معكوفين منهما: قلت والمنقول …