[حكى ابن سعد، عن الواقدي قال:] جاء سَيْل بمكة، فذهب بالحاجّ والإبل والحَمُول والنساء، فأغرق خلقًا عظيمًا، وبلغ الماء الرُّكنَ الأسود وجاوزه، ولم يقدروا على منعه؛ فسُمِّي الجحاف [لأنه جحف كل شيء مَرّ به، فسُمّي ذلك العام: عام الجُحَاف].
وفيها جهَّز الحجاج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعَث إلى قتال التُرك (١)، وأمره أن يُوغل في بلاد رُتبيل.
قال علماء السير: لما بلغ الحجاج ما جرى على جيش ابن أبي بَكْرة أخذه ما قَدُم وما حَدُث، ولم يَصدع قلبه شيءٌ مثل ذلك، فكتب إلى عبد الملك يُخبره بهلاك جيش ابن أبي بكرة، وأنه لم يَسْلم منهم إلا القليل، وأن العدوّ قد طمع في بلاد الإسلام، واستأذنه أن يبعث إليهم جيشًا؛ خوفًا من استيلاء العدو على البلاد، فأذن له وقال: الرأي إليك، فأَمضِ رأيَك موفَّقًا راشدًا، وأما مَن قُتل من المسلمين فأولئك قوم كُتب عليهم القتلُ فبرزوا إلى مَضاجعهم، وعلى الله ثوابُهم، والسلام.
فخطر للحجاج أن يبعث عبد الرحمن -وكان أبغض خلق الله إلى الحجاج، وكان يقول: ما رأيتُه قط إلا أردتُ قتلَه.
قال الشعبي: دخل عبد الرحمن يومًا على الحجاج وأنا عنده، فلما رآه قال لي: انظر إلى مِشيته، والله لقد هممتُ أن أضربَ عُنُقه، قال الشعبي: وخرجتُ من عند الحجاج، وخرج بعدي عبد الرحمن، فقلت له: في معك حديث وهو أمانة، قال: نعم فأخبرتُه بما قال الحجاج، فقال: والله وأنا كذلك، والله لأجتهدنّ في زوال سُلطانه.
وجهَّز الحجاج من الكوفة عشرين ألفًا، ومن البصرة مثلها، وأعطى الناس أُعطياتهم، وخرجوا بالخيول والسلاح الكامل، فلم يُجَهَّز في الإسلام جيشٌ كان أحسنَ منه، كان يقالماله: جيش الطَّواويس، أنفق عليه الحجاج ألفي ألف درهم خارجًا عن العطاء.