للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاء إسماعيل بن الأشعث عَمُّ عبد الرحمن إلى الحجاج فقال له: لا تبعثْه فإني أخاف خِلافه، فوالله ما جاوز الفرات فرأى لوالٍ عليه ولاية، فقال الحجاج: هو أهيبُ لي من ذلك.

وكان عبد الرحمن حسودًا أحمق أهوج حقودًا، وكان الزهريّ يقول: أبوه محمد سلب الحسين ثيابَه وقاتله، ودلَّ ابن زياد على مُسْلم بن عقيل حتى قتله، وجدُّه الأشعث ارتدَّ عن الإسلام.

وقال الشعبي: كنت عند الحجاج، فدخل ابن الأشعث، فقال لي الحجاج: انظر إلى مِشْيَةِ المقيت، فلما سلَّم قال له الحجاج: إنك لمَنظرانيّ، فقال ابن الأشعث: ومَخْبَرانيّ (١)، فغضب الحجاج.

وخرج عبد الرحمن ينزل بدير عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي، وخرج الحجاج يُودِّعه، وسار عبد الرحمن بالجيش حتى قَدِم سجستان، فقام خطيبًا وقال: أيها الناس، إن الأمير الحجاج قد وَلّاني ثَغْرَكم، وأمرني بجهاد عدوّكم؛ الذي استباح بلادَكم، وقتل خيارَكم، فإياكم أن يتخلّف رجلٌ منكم؛ فيُحِلَّ بنفسه العقوبة.

فشرع الناس في الجهاد، وبلغ رُتبيل، فكتب إلى عبد الرحمن يعتذر إليه من مُصاب المسلمين، وأن ذلك لم يكن عن رأي منه، ولقد كره ذلك، وإنما هم ألجؤوه إلى قتالهم، وسأله الصّلح، وأن يُؤدّي إليه رُتبيل الخراج.

فلم يُجبه عبد الرحمن، ودخل بلادَه، وداسها، وفتح حصونها، وكان كما فتح بلدًا أو حِصنًا ولّى عليه عاملًا، ووضع البُرد فيما بين كل بلدٍ وبلد، والمسالح على العِقاب والشِّعَاب، وحاز من المواشي والغنائم والسَّبي شيئًا عظيمًا، وقال لأصحابه: قد أصبنا ما أصَبْنا، ودسنا بلادَهم ودوّخناها، فارجعوابنا إلى العام المقبل، فقد حَصَّلنا على الغرض، وفي كل عام نفعل بهم كذا حتى نستأصلَهم.

وعاد إلى سجستان، وكتب إلى الحجاج بما فتح الله على المسلمين، وبما راه من الرأي.


(١) مَنْظَرانيّ: حَسَن المنظر، ومَخبرَانيّ: حسن المَخْبَر.