للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هم مجتمعون عند عبد الله بن جعفر يتغدّون، فأخبره فقال: والله ما أنا إلا كأحدهم، ولقد كنتُ أُجامعهم في مثل هذا.

فقام، فأخذ عصا فتَوَكَّأ عليها وقال: مُرّ يا غلام، فخرج بين يديه حتى دخل عليهم، فقال: هذا أمير المؤمنين بالباب، فدخل، فأوسع له عبد الله بن جعفر عن صدر فِراشه فجلس، فقال: غَداءَك يابن جعفر، فقال: ما تشتهي من شيء فادعُ به، فقال: أطعمنا مخًّا، فقال: يا غلام، هات مخًّا، فأتى بصَحفَةٍ فيها مُخّ، فأقبل معاوية يأكل، ثم قال عبد الله: يا غلام، زدنا مُخًّا فزاده، قالها ثلاثًا، وهو يزيد، فقال معاوية: إنما كنا نقول: زدنا سخينًا، أما زدنا مخًّا فلم أسمع به قبل اليوم، يابن جعفر ما يَسَعُك إلا الكثير، فقال عبد الله: يُعين الله، فامر له معاوية بأربعين ألف دينار [وكان قد ذبح كذا وكذا شاةً (١).

وأيضًا حدثنا سعيد بن جبير، عن رجل من أهل المدينة (٢) قال:] خرج عبد الله بن جعفر حاجًّا، حتى إذا كان ببعض الطريق، وقد تقدّم ثَقَله، مَرّ بأعرابية جالسة على باب خَيمة، فنزل قريبًا منها، فقامت وقالت: إليّ إليّ، بَوَّأك الله منازل الأبرار، فأعجبه مَنطِقُها، فتحوّل إليها، فألقت له وسادة من أَدَمٍ، وقامت إلى عُنَيزة لها في كِسْر الخيمة، فما شعر حتى قدَّمت إليه عضوًا منها، فنهس منه (٣).

وأقبل أصحابه فنزلوا، وأتتهم بما بقي منها فأكلوا، وقدَّموا سُفْرَتَهُم، فقال عبد الله: ما لنا حاجة إلى طعامكم سائر اليوم، فلما ارتحلوا أمر صاحب نفقته أن يعطيها خمس مئة دينار، فأبت أن تقبلها وقالت: أخاف عَذْلَ بعلي، فما زال بها حتى قبلتها، وسار فلم يلبث إلا قليلًا وإذا بأعرابي يسوق إبلًا له، فقال عبد الله: ما أظنه إلا المحذور، وجاء إلى امرأته، فأخبرتْه الخبر، وأنشدته [قصيدة بشرح الحال]: [من الطويل]

توسَّمتُه لما رأيتُ مهابةً … عليه فقلتُ المرءُ من آل هاشمِ


(١) "طبقات ابن سعد" ٦/ ٤٦٧ - ٤٦٨. وما بين معكوفين من (ص).
(٢) الخبر في "تاريخ دمشق" ص ٥٢ (عبد الله بن جابر- عبد الله بن زيد)؛ من طريق الفياض بن محمد القرشي، عن رجل من أهل المدينة، وما بين معكوفين من (ص).
(٣) بالسين المهملة، أي: أخذه بمقدَّم أسنانه. وقوله: كِشر الخيمة أي: جانبُها.