للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد مدحه جماعة من الشعراء، منهم عبيد الله بن قيس الرُّقيات، له فيه قصائد، منها: [من الطويل]

تَقَدَّتْ (١) بيَ الشَّبهاءُ نحو ابنِ جعفرٍ … سواءٌ عليها ليلُها ونهارُها

تزورُ امرأً قد يعلَمُ الله أنه … يَجودُ له كفٌّ قليلٌ غِرارُها

أتيتُك أُثني بالذي أنتَ أهلُه … عليك كما أَثنى على الرَّوضِ جارُها

ذكرتُكَ إذ فاض الفُراتُ بأرضنا … وجَلَّل أعلى الرَّقْمَتَينِ بحارُها

قال عبد الملك بن مروان لعبيد الله بن قيس: ويحك، أما استحيَيتَ من الله حيث تقول: تزور امرأ قد يعلم الله أنه، ألا قلت: قد يعلم الناس، ولم تقل: يعلم الله، فقال له ابن قيس الرقيّات: والله لقد علم الله والناس وأنت (٢).

مرَّ ابنُ قيس على ابن أبي عَتيق، فسلّم عليه فقال: وعليك السلام يا فارس العَمياء، فقال له: وما هذا الاسم؟ فقال: أنت سمَّيتَ به نفسَك حيث تقول: سواء عليها ليلُها ونهارُها، وما يستوي الليل والنهار إلا على الأعمى، فقال: ما أردتُ إلا التَّعَب، قال: فهذا يحتاج إلى تَرجُمان يترجم عنه (٣).

وكان عبد الله بن جعفر صديقًا لمعاوية، وكان يَفِد عليه كلّ سنة، فيعطيه ألف ألف درهم، ويقضي له مئة حاجة ويقول: والله ما في قريش أحبّ إلي أن يكون ابن هند منك، وكان يُنزله معه في داره، ولما حضرت معاويةَ الوفاةُ قال ليزيد: يا بُنيّ، إن لي خليلًا بالمدينة، فاستوصِ به خيرًا، واعرف له مكانَه مني -يعني عبد الله بن جعفر- فلما مات معاوية رحل عبد الله إلى يزيد، فأكرمه وألطَفَه، وقال له: يا أبا جعفر، كم كان أمير المؤمنين يُجيزك كلّ سنة؟ قال: بكذا وكذا ألف دينار، قال: قد أضعَفْتُها لك، فقال له عبد الله: بأبي أنت وأمي، ما قلتُها لأحد قبلك، ولا أقولها لأحدٍ بعدك.

وقال الزبير بن بكّار (٤): اجتمع عبد الله بن جعفر بيزيد بن معاوية عند أبيه معاوية، فأخذ يزيد يَعرض لعبد الله بن جعفر وينسبه إلى الإسْراف، فقال له عبد الله: يا يزيد،


(١) سارت سيرًا ليس بعجل ولا مبطئ.
(٢) "تاريخ دمشق" ٤٢ - ٤٣ (عبد الله بن جابر- عبد الله بن زيد)، والأبيات في ديوانه ٨٢ - ٨٣.
(٣) "الأغاني" ٥/ ٨٨ - ٨٩.
(٤) الخبر في "تاريخ دمشق" ٣٦ من طريق العباس بن بكار بإسناده إلى الشعبي.