للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فربض بإزائه، فألقى إليه رغيفًا، وأكل العبد نصف رغيف، وجاء كلب آخر، فرمى إليه بالنصف الآخر، فقال له عبد الله: مَن أنت؟ فقال: عبد لصاحب هذه الحديقة، قال: كم قُوتُك كل يوم؟ قال: ما ترى رغيفان، قال: فما هذا الكلب؟ قال: كلب يجيء من مكان بعيد، فأستحي منه أن آكل وعيناه ترمقني، فأنا أقاسِمُه قُوتي، قال. وهذا الكلب الآخر؛ قال: غريب ما رأيتُه قبل اليوم، قال: وما تأكل بقية النهار؟ قال: ما رأيت، أشُدُّ صُلبي بنصف رغيف إلى غدٍ حتى يأتيني قُوتي، فافعل فيه ما ترى، فبكى عبد الله وقال: أُلام على السَّخاء!؟ إن هذا العبد لأَسْخى مني، ثم اشترى الحديقة بخمس مئة دينار والعبد، ووقفها عليه (١).

[وقال الهيثم:] كتب إليه أقوام يُخَوفونه الفقر، فكتب على الورقة: ﴿الشَّيطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ [البقرة: ٢٦٨] إن الله قد عوَّدني أن يتَفضَّل عليَّ، وعوَّدتُه أن أتَفضَّل على عباده، فأخاف أن أقطع العادة، فتنقطع عنّي المادَّة.

وقال الزبير بن بكار: دخل أعرابيٌّ على عبد الله بن جعفر، فرآه مَحمومًا فقال: [من المنسرح]

كم لوعةٍ للنَّدى وكم قَلَقٍ … للجُودِ والمَكْرماتِ من قَلَقِكْ

ألبَسَك اللهُ ثوبَ عافيةٍ … في نَومك المُعتري وفي أَرَقِكْ

أخرجَ من جسمك السَّقامَ كما … أخرج ذمَّ الفِعال من عُنقِكْ

فأمر له بثلاثين ألفًا (٢).

ودخل عليه زياد الأعجم، فسأله خمسَ ديات فأعطاه إياها، ثم سأله خمسة أخرى فأعطاه إياها، ثم مسألة عشر ديات فأعطاه إياها فقال: [من الوافر]

سألْناه الجَزيل فما تَلكَّا … وأعطى فوق مُنْيَتِنَا وزادا

وأحسَنَ ثم أحسَنَ ثم عُدْنا … فأحسَن ثم عُدتُ له فعادا

مِرارًا لا أعودُ إليه إلا … تَبسَّم ضاحكا وثَنى الوسادا (٣)


(١) أخرجه بنحوه من طريق آخر: الدينوري في المجالسة (٣٢٢٩)، وابن عساكر ٤٨ - ٤٩، وانظر فيهما مصادر أخرى.
(٢) "تاريخ دمشق" (عبد الله بن جابر- عبد الله بن زيد) ٥٦، و"المنتظم" ٦/ ٢١٥.
(٣) "تاريخ دمشق" ٦/ ٤٧٤، والأبيات في ديوانه ١٠٥ - ١٠٦.