للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبينا أنا عنده ذات يوم إذ جاءه كتابُ الحجَّاج يقول: صاحبُ كتابك عامر الشَّعبي، فإذا نظرتَ في كتابي فابعثْ به إليَّ؛ وإلا عَزَلْتُك وفعلتُ بك وفعلتُ، فاحذر أن يَفوتَك، فالتفت إليّ وقال: ما عَرفتُك قبل هذه الساعة، وهذا كتابُه، فاذهب حيث شئتَ من الأرض، ولأحلفنَّ له بكلِّ يمينٍ أنني ما عرفتُك قبل هذه الساعة، فقلت له: مثلُ هذا لا يَخفى، فابعث بي إليه، فقال: أنت أعلم.

ثم بعث معي جماعةً وأوصاهم بي، ثم قال: إذا وصلتُم به إلى الحجّاج فأدخلوه عليه مُقَيَّدًا، ثم قال: قُل ما شِئتَ واستشْهِد بي.

فلما وصلتُ إلى باب الحجاج لَقِيَني يزيدُ بن أبي مُسلم، فقال لي: إنا لله لما بين دَفَّتَيكَ من العلم، قلت: فاشفع لي، قال: ليس بيوم شفاعة، قلت: فخُذْ لي أمانًا، قال: لا أقدر، ولكن إذا دخلتَ عليه فبُؤْ له (١) بالكُفر؛ فبالحريّ أن تَنجو، وما أُراك بنَاجٍ، ولكن استشهِدْ بي، قال: ولقيتُ محمد بن الحجَّاج فقال لي مثلَ ذلك وأُدخِلتُ علية فقال: هية يا عامر، أكرمتُك، وأحسنتُ إليك؛ وتخرج علي وتقول ما قلت؟! قال: فذكرتُ له بمعنى ما تقدَّم، واستشهدتُ بيزيد بن أبي مسلم، فسأل يزيدًا: أكذا؟! قال: نعم، فقال: انصرِفْ راشِدًا، وأمرني بلُزوم بابه.

ذكر جماعة أُتي بهم إلى الحجاج:

منهم: عبد الرحمن بن عائذ الحمصي، أبو عبد الله، من الطبقة الثانية من التابعين، ويقال: إنه أدرك رسول الله وروى عنه، واتّفقوا على أنه سمع من عمر، وعلي، ومعاذ، وأبي ذَرّ ، وغيرهم، وحضر خطبة عمر رضوان الله عليه بالجابية.

وكان قد خرج مع ابن الأشعث، فجيء به إلى الحجاج وكان يعرفه، فقال له: كيف أصبحتَ يا أبا عبد الله؟ فقال: كما لا يريد الله، ولا الشيطان، ولا أنا، قال: وكيف؟ قال: يريد الله أن أكون عابدًا زاهدًا، والله ما أنا بذاك، ويُريد الشيطان أن أكون فاسقًا وما أنا بذاك، وأُريد أن أكون آمِنًا في سِرْبي وما أنا بذاك، فقال الحجاج: مَولِدُ شاميّ، وأدبٌ عراقيّ، وجارُنا إذ كنا بالطّائف، خَلُّوا عنه (٢).


(١) في النسخ الخطية: فتولَّه، وكذا في "تاريخ دمشق"ص ٢١٥، والمثبت من المصادر، والكلام فيها بنحوه. ينظر أنساب الأشراف ٦/ ٦ / ٤٧٨، والمعرفة والتاريخ ٢/ ٥٩٨، والعقد الفريد ٥/ ٣٢، وسير أعلام النبلاء ٤/ ٣١٤.
(٢) "تاريخ دمشق" ٩/ ٩٨٧، ٩٩١ (مخطوط)، و"السير" ٤/ ٤٨٧ - ٤٨٩.