للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال عمر بن شبّة: لما بعث الحجاج رأس ابن الأشعث بعثه عبد الملك إلى امرأة من آل الأشعث كانت تحت رجل من قريش، فلما وضع بين يديها قالت: مرحبًا بزائرٍ لا يتكلم، ملكٍ من الملوك، طلب ما هو أهله فأبت عليه المقادير، ثم طيَّبتْه بالمسك بعد أن غسلته.

ونظر ابن الأشعث إلى رجل من أصحابه وهو هارب إلى بلاد رُتبيل فتمثل: [من السريع]

مُنْخَرِقُ الخُفَّينِ يشكو الوَجا … تَنكُبُه أطرافُ مرْوٍ حِدادِ

قد كان في الموت له راحةٌ … والموتُ حَتْمٌ في رقابِ العِبادِ

طَرَّده الخَوفُ وأزرى به … كذاك مَن يَكره حَرَّ الجِلادِ

وسمعه الرجل فقال: هلا ثَبَتَّ في موطن من تلك المواطن فنموت بين يديك، ثم تموت أنت، فهو خيرٌ لك مما صِرتَ إليه (١).

والذي حمل رأس عبد الرحمن إلى عبد الملك عِرار بن عمرو بن شأسٍ الأَسديّ الكوفي، قال عرار: لما قدمتُ على عبد الملك بكتاب الحجاج جعل يقرؤه، وكلما شَكّ في شيءٍ منه سألني فأخبرتُه، فعجب عبد الملك من فصاحتي مع دَمامتي وسوادي، فضحكت وأنشدت: [من الطويل]

فإن عرارًا إن يكن غيرَ واضحٍ … فإني أحبُّ الجَوْنَ ذا المَنْكِبِ العَمَمْ

فغضب عبد الملك وقال: لم ضحكتَ (٢)، فقلت: يا أمير المؤمنين، أتعرف عِرارًا؟ قال: لا، قلت: أنا عِرار؛ كان أبي قد تزوّج امرأةً وهي أم حسان (٣)، فكانت تُؤذيني فقال:

فإن كنتِ منّي أو تُريدين صُحبَتي … فكوني له كالسَّمْن مْن رُبَّتْ به الأَدَمْ

وإلا فسِيري مثلَ ما سار راكبٌ … تيمَّم خَمسًا ليس في سَيره أَمَمْ

أرادتْ عِرارًا بالهوان ومَن يُرِدْ … عِرارًا لعَمْري بالهوان فقد ظَلَمْ

فإن عرارًا إن يكُن غيرُ واضحٍ … فإني أحب الجَوْنَ ذا المنكِبِ العَمَمْ (٤)


(١) "تاريخ الطبري" ٦/ ٣٩٢. وينظر الأخبار الطوال ص ٣١٩ - ٣٢٠.
(٢) كذا، وسياق الخبر في "تاريخ دمشق" ٤٧/ ١٧٠: فعجب عبد الملك من بيانه وفصاحته مع سواده فقال متمثلًا: فإن عرارًا … فضحك عرار من قوله ضحكًا غاظ عبد الملك فقال له: مم ضحكت؟ وقولُه: الجَوْن، يعني الأسود.
(٣) بعد وفاة والدة عرار، وهو رضيع.
(٤) بدل هذا الشطر في (أ) و (د): وذكر البيت.