للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ انثَنينا على عُوجٍ مُسَوَّمَةٍ … أعرافُهنّ لأيدينا مناديلُ (١)

وقال [الهيثم: قال] رجل لعبد الملك: لي إليك سرّ، فصرف جلساءه، فلما أراد الرجل أن يتكلّم قال له: لا تمدحني فإني أعلم بنفسي منك، ولا تكذبني فإني أَمقُت الكذاب، ولا تَغْتَب عندي أحدًا فإني أكره الغيبة، ولا تَسْعَ إليّ بأحد فإني لا أقبل السِّعاية، فبُهت الرجل، قال: وإن شئتَ أقلتُك، قال: أقِلني. فأقاله (٢).

وقال لجلسائه: لا تمدحوني في وجهي؛ فأنا أعلم بنفسي منكم، ولا تكذبوا فلا رأيَ لكَذوب، ولا تغتابوا عندي أحدًا فإني أكره الغيبة، وقولوا ما شئتم.

واحتُضر له ولد وكان يحبّه، فجعل يقول: الحمد لله الذي يقتل أولادنا ونحن نحبه.

وبلغه أن عاملًا له ارتشى، أو أُهدي إليه هدية فقبلها، فكتب إليه: إن كنت أَثَبْتَ المُهدي من بيت مال المسلمين فقد خُنت، وإن كنت أثبتَه من مالك فقد أطمعتَ أهلَ عملك فيك، ثم عزله.

[وذكر ابن عساكر أن عبد الملك] استقضى على دمشق الحارث بن عمرو بن نَحّام الأشعري، فبلغه عنه شيء فكتب إليه: [من الطويل]

إذا رِشوةٌ من دار قومٍ تَقَحَّمت … على أهل بيتٍ والأمانةُ فيه

سَعَتْ هربًا منه ووَلَّت كأنها … حَليمٌ تولّى عن جِوار سَفيهِ (٣)

[قلت: ومن هذا المثل المضروب: إذا دخلت الهدية من الباب خرجت الأمانة من الطاقة.

وقال الهيثم:] كان عبد الملك إذا جلس للحكم يقول: [من السريع]

نخافُ أن تَسفَه أحلامُنا … فنَخْمُلَ الدَّهرَ مع الخاملِ (٤)


(١) "العقد الفريد" ١/ ١٦٥، والورد: ما أخذ فيه النضج من اللحم، والأشقر: ما لم ينضج، والعُوج: خيل جياد منسوبة إلى أعوج حصان لبني هلال.
(٢) "تاريخ دمشق" ٤٣/ ٢٦٩ - ٢٧٠ من غير طريق الهيثم، وما بين معكوفات من (ص).
(٣) "تاريخ دمشق" ٤/ ١١٦ - ١١٧ (مخطوط)، وانظر "أنساب الأشراف" ٦/ ٣٧١، وما بين معكوفين من (ص).
(٤) "أنساب الأشراف" ٦/ ٣٤٧ - ٣٤٨، و "تاريخ دمشق" ٤٣/ ٢٦٧ - ٢٦٨، وما بين معكوفين من (ص).