للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقال الهيثم:] قدم بَرْمَك [أبو خالد] الشام، فدخل على عبد الملك يوم جلوسه، فلما وقعت عين عبد الملك عليه قال: إن مع هذا سَمُّ ساعة، فدعا به وقال: كيف دخلتَ مجلسي ومعك سم ساعة؟! قال: لأنّا ملوك ونخاف من الضَّيم، فإن أُضِمنا أكلْناه فنموت ونستريح، فأُعجب عبد الملك به، وقرَّبه واختصّ به.

وإنما علم عبد الملك بذلك لأنه كان في عَضُده دُمْلُج (١) من فضة، في وسطه تمثال ثَورين، فإذا حضر مجلسَه السَّم انتطح الثوران فيعلم بذلك.

[وقال ابن الكلبي:] أتي عبد الملك بسكران فقال له: وَيحك ما هذا؟ أشربتَ المسكر؟! فقال: [من الطويل]

شربتُ على الجَوزاء كأسًا رَويَّة … وأخرى على الشِّعْرى إذا ما استَهلَّتِ

مُحَرَّمةً كانت قريش تصونُها … فلما استحلُّوا قتلَ عثمان حَلَّتِ

فقال أطلقوه.

وقال: أفضل الرجال مَن تواضع عن رِفعة، وزهد عن قُدرة، وأنصف عن قوة.

وكتب إلى الحجاج: [من المتقارب]

ولا تُفْشِ سرَّك إلا إليك … فإن لكلِّ نصيحٍ نصيحا

فإني رأيتُ غُواةَ الرِّجا … لِ لا يتركون أَديمًا صحيحًا (٢)

[وقال الأصمعي: قال عبد الملك، يومًا لجلسائه: أي المناديل أفضل؟ فقال بعضهم: مناديل اليمن التي كأنها أزهار الربيع، وقال آخر: مناديل مصر التي تضاهي نجوم (٣) السماء، وقال كل واحد شيئًا، فقال عبد الملك: ما أتيتم بشيء، أفضلُ المناديل مناديل عَبْدَة بن الطَّبيب حيث يقول: [من البسيط]

لمّا نزلنا ضَرَبْنا ظِلَّ أَخْبِيَةٍ … وفار بالغَلْي للقوم المَراجيلُ

وَردً وأشقر لم يُنضِجْه طابخُه … ما قارب النُّضجَ منه فهو مأكولُ


(١) أي: سِوار.
(٢) "العقد الفريد" ١/ ٦٥، و "أنساب الأشراف" ٦/ ٣٥٩.
(٣) في (ص): التي كأنها نجوم.