للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقالوا: يا أمير المؤمنين، اسقِنا دَمَه، فقال: الآن وقد صار على بِساطي وأَمَّنْتُه، وإنما أَخَّرتُ الإذنَ له كي تقتلوه فلم تفعلوا. فاستأذنتُه في الإنشاد فأَذِن، فقلت: [من المنسرح]

عادَله من كثيرةَ المطَّربُ … فعَينُه بالدُّموعِ تَنسَكِبُ

إن الأغرَّ الذي أبوه أبو الـ … ـعاصي عليه الوَقارُ والحُجُبُ

يَعتدِلُ التَّاجُ فوق مفْرِقِهِ … على جَبينٍ كأنَّه الذهَبُ

فقال: تَمدحُني بالتَّاج كأني من العَجَم، وتقول في حقِّ مُصعب: إنما مُصعب شهاب من الله؟! أما الأمان فقد حصل لك، ولكن لا اعطيك والله عطاءً أبدًا. وهذه رواية الزبير بن بكار.

وأما الهيثم بن عدي فإنه قال (١): قال عبد الله: لما أهدر عبد الملك دمي نادى مناديه: مَن جاء به فله ألف دينار، فكنتُ أتَنَقَّل في البلدان، وخرجتُ إلى دمشق، فسمعتُ مُناديه ينادي بذلك، فدخلتُ دَرْبًا وإذا ببابٍ مَفتوح، فدخلتُه وصَعِدتُ الحُجرة، فنظرتْ إليّ صاحبةُ الدَّار فقالت لجاريتها: أَصْعِدي له طَهورًا -ظنًّا منها أنني أحتاج إليه- ففعلتْ، فأبطأتُ عنها، فقالت المرأة: هذا رجل خائف، قومي له بالضِّيافة، فأصعدت الجارية إليَّ بساطًا وفراشًا وطعامًا، فأقمت عندهم أربعةَ أشهر يُغدى عليَّ بما أحتاج إليه ويُراح، فأرسلتْ إليَّ بمئتي دينار وقالت: لا فائدةَ لك في المقام ها هنا، اخرج إلى عبد الله بن جعفر فإن فَرَجَك عنده.

قال: فخرجتُ إلى ابن جعفر، فأخبرتُه خبري فقال: أقم عندي، فأقمتُ عنده في داره، ثم خرج عبد الله إلى عبد الملك وأخذني معه وقال: إذا أُدخِلنا عليه فكُلْ أَكْلًا شَنيعًا.

قال: فلما دخلتُ عليه جعلتُ آكُل من هنا وهنا، فقال عبد الملك: مَن هذا؟ فقال ابن جعفر: هذا الذي يقول: [من المنسرح]

ما نقموا من بني أميَّةَ إلا … أنَّهم يَحلُمون إن غَضِبوا

قال: هذا الخبيثُ ابن قيس؟ قال: نعم، وقد استجار بي، فإن قتلتَه كان كاذبًا فيما مدحكم به من الحلم، وإن استبقيتَه كان صادقًا، فقال: هو آمن، إلا أنني لا أُعطيه


(١) من قوله: وهذه رواية الزبير … إلى هنا من (ص).