للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكى ابن عساكر عن] خالد بن يزيد بن أبي مالك (١): أن معاوية أراد أن يبني جامع دمشق، فقال له كعب الأحبار: ذاك أخنس قريش وما اجتمع أبواه بعد، وكان معاوية يومئذٍ أميرًا على دمشق.

وقال المغيرة مولى الوليد: دخلت عليه يومًا فرأيته مَغمومًا، فقلت: ما الذي بك يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا مغيرة، إنه قد كثر المسلمون، وضاق بهم المسجد، وقد بعثتُ إلى النصارى أصحاب هذه الكنيسة فأقطعتهم القطائع، وبذلت لهم الأموال لأُدخلها في المسجد فأبوا، فقلت له: لا تهتم، فإذا عندي ما يُزيل همَّك، قال: وما هو؟ قلت: قد دخل خالد بن الوليد من الباب الشرقي، بالسيف، ودخل أبو عبيدة من باب الجابية بالأمان، فنماسحهم إلى أي موضع بلغ السيف؟ فإن يكن لنا حقٌّ أخذناه، وإلا داريناهم حتى نأخذ باقي الكنيسة، فندخلَه في المسجد، فقال الوليد: فرَّجْتَ عني فرَّج الله عنك، فتول أنت ذلك بنفسك.

فتولّاه المغيرة، ومسح من الباب الشرقي إلى نحو باب الجابية، فبلغت المساحة إلى سوق الرَّيحان حتى حاذت من القنطرة الكبيرة أربعة أذرع وكسر بالقاسميّ، فدخلت الكنيسة في المسجد، فأرسل الوليد إلى النصارى فأخبرهم وقال: هذا حق جعله الله لنا، ولم نأخذه ظلمًا، فقالوا: قد أقطعتَنا القطائع، وأعطيَتنا الأموال فأبينا، فصالحهم على كنيسة مريم، وكنيسة حُميد بن درّة، وكنيسة المصلّبة، وكنيسة أخرى عند سوق الخبن.

[وفي رواية:] ولما قام عمر بن عبد العزيز جاء النصارى إليه، وشَكَوا فعل الوليد، فقال عمر: ما كان خارجًا من دمشق فتح عنوة، فنحن نردُّ عليكم كنيستكم، ونهدم كنيسة باب توما لأنها خارج البلد، ونبنيها مسجدًا [قلما قال لهم ذلك] قالوا: بل ندع لكم ما هدمه الوليد، وتدعوا لنا كنيستنا بباب توما، فأجابهم عمر .

[رجع الحديث إلى الأول:] ثم أصبح الوليد غاديًا وعليه قَباءٌ من خزٍّ، وقد شدَّ وَسَطه بمِنطَقة، وبيده فأس، وكان في أعلى الكنيسة تمثال يقال له: الشّاهد، فقال له


(١) في النسخ: مليكة، وهو خطأ، والمثبت من "تاريخ دمشق" ١/ ٣٠٥ (مخطوط)، وما بين معكوفين من (ص).