للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بينه وبين أحد من العداوة مثل ما كان بين آل أبي سفيان وآل الزبير؟ قال: لا، قال: فقد تزوَّجتُ منهم، وما في الدنيا اليوم قبيلة أحبّ إليّ منهم، فكيف تركتَ الحجاج يتزوج إلى بني هاشم، وهو سَهْمٌ من سهامك، وقد علمتَ ما يقال لبني هاشم: إنهم يملكون الناس في آخر الزمان، وقد وليتَ الحجاج على نصف الدنيا، وبيده الأموال، وعنده الرجال؟! فجزاه عبد الملك خيرًا وقال: وصلتك رَحِم، وكتب إلى الحجاج يَعْزِم عليه بطلاق بنت ابن جعفر، فطلّقها.

وبلغ الحجاج الخبر فأخذ يذم خالد بن يزيد ويقول: صيَّر الأمر إلى من هو أولى منه، ولم يكن لذلك أهلًا، فقال له عَمرو بن عُتبة بن أبي سفيان: ليس كما قلت، إن خالدًا أدرك مَن كان قبله، وأتعب مَن بعده، ولو رام الأمر لما فاته، ولكنه رأى أن يُسلمه إلى من سَلّمه إليه، فخجل الحجاج وقال: يا عمرو، إنا نَخْبُرُكم بأن نعتب عليكم، ونستنطقكم لننال منكم، وقد علمنا أنكم تحبون الحلم فعرضنا عليكم ما تحبون (١).

وقال الزهري (٢): غضب عبد الملك على خالد بن يزيد، وكان يخاف منه لميل الناس إليه، فمنعه العطاء، ومنع آل حرب أيضًا، وضيق على خالد فلم يلتفت خالد وقال: أيتَهدَّدُني عبده الملك بالحرمان ويد الله فوق يده، وعطاؤه مَبذولٌ دون عطائه، ومن سأل غيره فقد بذل نفسه أكثر مما أخَذَ لها.

وقال هشام بن الكلبي: أجرى عبد الله بن يزيد بن معاوية -وهو أصغر الأصاغر، ويُلقَّب بالأسوار- خيلَه مع خيل الوليد بن عبد الملك، فسبقه عبد الله، فلقي الوليد خيلَ عبد الله فعَقَرها، فقال عبد الله لأخيه خالد: لقد هممتُ اليوم أن أقتل الوليد، فقال خالد: بئس ما هَمَمْتَ به، أتقتل ابنَ أمير المؤمنين ووليَّ عهد المسلمين؟ فقال: إن خيلي سبقت خيله فعَقَرها، فدخل خالد على عبد الملك فقال له: إن الوليد عَقَر


(١) في "العقد": إنا نسترضيكم بأن نعتب عليكم، ونستعطفكم بأن ننال منكم، وعلمنا أنكم تحبون أن تحلموا فتعرضنا للذي تحبون.
(٢) هذا الخبر وتاليه في "تاريخ دمشق" ٥/ ٥٨٤ - ٥٨٥ (مخطوط) عن المدائني، وما سيرد بين معكوفين منه.