للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوليد أنَّه افتتح الأندلس وطُلَيطُلَة، وقال طارق مولاه -وقيل: كان مولى للوليد-: أنا فتحتُها، فقال له ابن نُصير: كذبتَ، فقال طارق: أحضِروا المائدة، فأحضروها للوليد، فقال طارق للوليد: يَا أمير المُؤْمنين، انظر إليها. فنظر وقال: كلها متساوية إلَّا رِجْل واحدة فإنَّها لا تشبهها، فقال طارق: سَلْه عنها فإن أتاك بها فهو صادق، فسأل موسى عنها فقال: هكذا وجدتُها، فأخرج طارق الرِّجل، فحظي عند الوليد، وسقطت منزلة موسى.

وقال محمَّد بن أبي نصر الحُمَيديّ: إن طارقًا فتح الأندلس، وكان أمير الجيش موسى بن نُصير، فحسده موسى على الفتح والغنائم، وكونه انفرد بتلك، فكتب إليه: أقم مكانَك ولا تتجاوزه إلى غيره، ثم ركب موسى زقاق الأندلس (١)، واستخلف على القيروان ولده عبد الله بن موسى، وذلك في سنة ثلاث وتسعين، وخرج معه وجوه البَربر والموالي في عسكر ضخم، وطارق بقُرطبة، فالتقى بابن نصير وقد قتل طارق لُذَرِيق ملكها، فعاتبه ابن نُصير حيث عبر الزّقاق بغير إذنه، فقال له طارق: إنما أنا مولاك ومن قِبَلك، ولاحت الفُرصة فانتهزتُها، فقبض على طارق، واستخلف على الأندلس ابنَه عبد العزيز بن موسى، ورجع موسى إلى القيروان ومعه الغنائم والأموال، وبلغ الوليد قبضه على طارق، فبعث إليه يقول: والله لئن قتلتَه لأقتلنّك، فأطلقه، وخرج معه إلى الشَّام، وجرى بينهما ما ذكرناه. ويقال: إن موسى أدرك الوليد وقد مات، فحمل ما كان معه إلى سليمان، والأول أصحّ.

واختلفوا في فتوح الأندلس [في أي سنة كان، وقد بيّنّا اختلافهم] فبعضهم يقول: سنة إحدى وتسعين، وبعضهم يقول: سنة اثنتين، وبعضهم يقول: سنة ثلاث.

وفيها بعث الوليد بن عبد الملك إلى خالد بن عبد الله القَسْري بثلاثين أَلْف دينار، فضربها صفائح على باب الكعبة والميزاب، وكان جماعة من الْأَنصار يَقدمون مكة، فينزلون على أهلها، ويذكرون مَثالبَ بني أمية وظلمَهم، وما هم عليه من إظهار البدع، وإماته السنن، وبلغ خالدًا القسري فخطب وقال: أيها النَّاس إن هذه بلاد الله، وفيها


(١) في جذوة المقتبس ٣ للحميدي، و"تاريخ دمشق" ٨/ ٤٨٢ (مخطوط): وأما الذي فتحها وكان أمير الجيش السابق إليها فطارق، وكان واليًا على طنجة من المدن المتصلة ببر القيروان بينها وبين الأندلس خليج من البحر يعرف بالزقاق رتّبه فيها موسى بن نصير أمير القيروان. وانظر "تاريخ الطبري" ٦/ ٤٦٨، ٤٨١.