للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَرَمُه، وهي التي اختارها الله على جميع البلدان، ووضع فيها بيته، وكتب على عبادة زيارتَه، فعليكم بالطَّاعة ولزوم الجماعة، وإيَّاكم والخيانة، فوالله ما أوتى بأحدٍ طعن على إمامه إلَّا قتلته في الحرم، فلا تقولوا: كيت وكيت، فإن الله جعل الخلافة في الموضع الذي جعلها فيه، وقد بلغني أن قومًا من أهل الخلاف يقدمون عليكم، وينزلون في منازلكم، فإياكم وإياهم، ومتى بلغني أنكم أنزلتموهم هدمتُ منازلَكم، وإياكم والفُرقة فإنَّها بلاء عظيم، فانتهى النَّاس.

وكان خالد يقول: والله لو علمت أن هذه الوحش التي تأمن في الحرم لا تُقِرُّ بالطّاعة لأخرجتُها منه (١).

وفيها قتل قتيبة بن مسلم نيزك طَرخان ملك الترك، وكان قد أَمّنه، وحلف له قتيبة، ثم اجتمعا فغدر به وقتله، وبعث برأسه إلى الحجاج على يد رجل يقال له: سليم النَاصح (٢)، فعزَّ على الحجاج وقال: بعثتُ بقتيبة فتى غرًّا، أفنى ملوك خُراسان، ما زدتُه ذِراعًا إلَّا زادني باعًا.

وتلخيص القصة: أن قتيبة سار من خراسان غازيًا إلى مَرْو الرُّوذ يريد نيزك، وكان قد خلعه وغدر به، وبلغ مَرزبان مَرو الرُّوذ إقباله، فانهزم إلى بلاد فارس، وقدم قتيية مَرو الرّوذ فقتل وَلَدي المرزبان وصلبهما، ثم قدم الطَّالقان، فلم يحاربه صاحبها، واستعمل عليها عمرو بن مسلم، ومضى إلى الفارياب، فخرج إليه ملكُها سامعًا مطيعًا، فلم يَعرِض له ولم يقتل بها أحدًا، واستعمل عليها رجلًا من باهلة، وسار إلى الجُوزجان، فتركها ملِكُها وهربا إلى الجبال، ولما قدمها قتيبة خرج إليه أهلها سامعين مطيعين، فلم يعرض لهم، وولى عليهم عامر بن مالك الحِمَّاني، ثم أتى بَلْخ فدخلها ولم يقم بها إلَّا يومًا.

وقصد نيزك بِبَغْلان، وقد نزل أصحابه على فم الشِّعب -وفي الِشِّعب قلعة عظيمة، ويقال للشِّعب: شِعب خُلْم- فأقام أيامًا، فقاتلهم ولا يعرف طريقًا يمضي به إلى نيزك إلَّا الشِّعب، أو مفاوز لا تحتمل العساكر، فتحيِّر في أمره.


(١) "تاريخ الطبري" ٦/ ٤٦٤ - ٤٦٥ وما بين معكوفين من (ص).
(٢) كذا، والذي في الطبري ٦/ ٤٥٨ أنَّه بعث برأسه مع محفن بن جزء الكلابي وسوَّار بن زهدم الجرمي، وأن سليمًا الناصح استزل نيزك واحتال عليه حتَّى أدخله على قتيبة.