للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم فتح قتيبة نَسَف في هذه السنة، وحصونًا كثيرة من وراء النَّهر.

وحج بالنَّاس في هذه السنة الوليد بن عبد الملك بن مروان. وقد ذكر حجَّتَه الواقديّ بإسناده إلى صالح بن كيسان قال (١):

لما حضر قدوم الوليد أمر ابن عمه عمر بن عبد العزيز عشرين رجلًا من وجوه قريش يخرجون معه لتلقي الوليد، فخرجوا معه، منهم: أبو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الحارث بن هشام، وأخوه محمَّد بن عبد الرَّحْمَن، وعبد الله بن عمرو بن عثمان، فلقوا الوليد بالسُّويداء على ظَهْر، فقال لهم الحاجب: انزلوا لأمير المُؤْمنين فنزلوا، ثم أمرهم فركبوا، ودعا الوليد عمر فسايره حتَّى نزل بذي خُشُب، ودعا بالغداء، وحضروا فتغدَّوا عنده، وراح من ذي خُشُب، فلما دخل المدينة غدًا إلى المسجد لينظر إلى بنائه، فأخرج النَّاس فما ترك فيه أحدًا، وبقي سعيد بن المسيّب بها يجترئ أحد من النَّاس يخرجه، وما عليه إلَّا رَيطتان تساوي خمسة دراهم، وهو جالس عند ساويته في مُصلّاه، فقال له أصحابُه: لو قمتَ إليه وسلمتَ عليه، فقال: والله لا أقوم إليه، قال عمر بن عبد العزيز: فجعلتُ أَحيد بالوليد في ناحية المسجد وجاء ألا يرى سعيدًا حتَّى يقوم، فحانت من الوليد نظرة إلى القبلة فقال: من ذاك الشيخ الجالس؟ أهو سعيد بن المسيّب؟ فجعل عمر يقول: نعم يَا أمير المُؤْمنين ومن حاله ومن حاله، ولو علم بمكانك لقام فسلم عليك، وهو ضعيف البصر، قال الوليد: قد علمتُ حاله، ونحن نأتيه فنسلم عليه، فدار في المسجد حتَّى انتهى إلى سعيد فوقف عليه فقال: كيف أَنْتَ أيها الشيخ!؟! فوالله ما تحرّك سعيد ولا قام، فقال: بخير والحمد لله، فكيف أمير المؤمنين وحالُه؟ فقال الوليد: بخير والحمد لله. ثم انصرف الوليد وهو يقول لعمر: هذا بقيَّةُ الناس، فقال له عمر: أجل يَا أمير المُؤْمنين.

قال الواقدي: وقسم الوليد بين النَّاس رَقيقًا كثيرًا، وآنية من ذهب وفضة، وأموالًا، وطيَّب مسجد رسول الله بألفي مثقال من أنواع الطِّيب، وخطب يوم الجمعة وصلى بالناس.


(١) من قوله: وحج بالناس … إلى هنا من (ص)، وجاء سياقها في النسخ مختصرًا.