ودعا بذلك الطعام، فبسطه لين يدي نيزك، فرأىَ أصحابه طعامًا لا عهد لهم بمثله، فنهبه التُّرك أصحاب نيزك، فقال له سليم: أرى أصحابك قد جهدوا، وأخاف إن طال بهم أمر أن يُسلموك، فاذهب معي إلى قتيبة، قال: لا أذهب إليه بغير أمان فأمّنِّي وأرِحْني، قال: قد أمَّنتُك، وخرج معه، فلما وصل إلى فم الشعب حالت الخيل بين نيزك والشِّعب، فقال: هذا أول الشر، وجاؤوا بنيزك إلى عسكر قتيبة، فحبسه عند ابن بسّام اللّيثي في قُبَّة، وخَندق عليه، وحبس أصحابه، وبعث إلى الكُرْز، فاستخرج ما كان لنيزك به من متاع، وهرب الباقون.
وكتب قتيبة إلى الحجاج يستأذنه في قتل نيزك، وأقام أربعين يومًا، وجاءه كتاب الحجاج بقتله، فدعا به، فقال النَّاس: ما يَحلُّ قتلُه؛ قد أعطيتَه أمانًا، وقال بعضهم: اقتله فما نأمنه على المسلمين، فقال له قتيبة: أين أمانُك؟ قال: عند سليم، قال: لا أمانَ لسُليم، قال: الغدر قبيح، فقال: اقتلوه، فقتله وقتل معه سبع مئة من أعيان أصحابه.
والمشهور أن قتيبة قَتل نيزك غَدْرًا، وأن الحجاج لم يأمره بقتله، وأنه أنكر عليه كما ذكرنا في أول القصة.
[وقال علماء السير:] ولما قتل قتيبة نيزك بعث إليه ملك الجُوزجان يطلب الصلح -وكان قد هرب من الجوزجان كما ذكرنا- فأمّنه على أن يأتيه فيصالحه، فطلب ملك الجوزجان رهنًا يكون في يده، ويعطي هو أَيضًا رهائن، فبعث إليه قتيبة حبيبَ بنَ عبد الله بن عمرو بن حُصَين الباهِليّ، وبعث ملك الجوزجان إلى قتيبة رُهونًا من أهله، وجعل ملك الجوزجان حبيبًا في بعض حصونه، وقدم على قتيبة فصالحه، ورجع إلى بلاده فمات بالطَّالقان، فقال أهل الجوزجان: سَمَّه قتيبة، فقتلوا حَبيبًا، وقتل قتيبة الرُّهون الذي كانوا عنده، فقال نَهار بن تَوْسِعة لقتيبة:[من الوافر]
أراك الله في الأتراك حُكمًا … كحُكمٍ في قَرَيظَةَ والنَّضِيرِ
قَضاءٌ من قُتَيبةَ غيرُ جَوْرٍ … به يُشفَى الغَليلُ من الصُّدورِ
فإن تر نيزكًا (١) خِزيًا وذُلًّا … فكم في الحرب حُمِّقَ من أميرِ