فقال: أنس بن مالك؟ كتب إليّ بكذا وكذا، فاذهب بهذين الكتابين إلى أنس بن مالك والحجاج، وابدأ بأنس، وقل له: أمير المُؤْمنين يُسلّم عليك ويقول: قد كتبت إلى عبد بني ثَقيف كتابًا إذا قرأه كان أَطْوَع لك من أمتك، واستعرِضْ حوائجه.
قال إسماعيل: فركبت على خيل البريد، وسِرْتُ حتَّى قَدِمتُ على الحجاج فقال: مرحبًا بمن كنتُ أحبُّ لقاءَه، فقلت له: وأنا كذلك إلَّا في هذه المرة، قال: ولم؟ قلت: تركتُ عبد الملك عليك حَنقًا، ورميتُ بالكتاب إليه، فجعل يقرؤه وَيتَمَعَّر وَجهُه، وَيرشَحُ عَرَقًا، ويقول: يغفر الله لأمير المُؤمنين، ثم قال: نمضي إلى أنس، فقلت له: على رِسلك، ثم مضيتُ إلى أنس وقلت: يَا أَبا حمزة، قد فعل أمير المُؤْمنين معك ما فعل، وهو يقرأ عليك السلام ويَستعرض حوائجَك، فبكى أنس وقال: جزاه الله خيرًا، كان أعرفَ بحقّي، وأبرَّ بي من الحجاج، قلت: وقد عزم الحجاج على المجيء إلى منزلك، فإن رأيتَ أن تتفضَّل عليه فأنت أولى بالفضل.
فقام أنس ودخل على الحجاج، فقام إليه واعتنقه، وأجلسه معه على سريره، وقال: يَا أَبا حمزة عَجَّلْتَ عليّ بالملامة، وأغضبتَ أمير المُؤْمنين، وأخذ يعتذر إليه ويقول: قد علمتَ شَغَب أهل العراق، وما كان من ابنك مع ابن الجارود، ومن خروجك مع ابن الأشعث، فأردتُ أن يعلموا أني أسرع إليهم بالعقوبة إذ قلت لمثلك ما قلت، فقال أنس: ما شكوتُ حتَّى بلغ مني الجهد، زعمتَ أننا الأشرار، واللهُ سمّانا الْأَنصار، وزعمتَ أننا أهل النّفاق، ونحن الذين تبوَّأنا الدّار والإيمان، والله يحكم بيننا وبينك، وما وَكَلْتُك إلى أمير المُؤْمنين إلَّا حيث لم يكن لي بك قوة، ولا آوي إلى ركن شديد، ودعا لعبد الملك وقال: إن رأيتُ خيرًا حمدتُ، وإن رأيت شرًّا صبرتُ، وبالله استعنت.
وكتب الحجاج إلى عبد الملك؟ أما بعد، فأصلح الله أمير المُؤْمنين وأبقاه ولا أعدمناه، وصَلَني الكتاب تذكر فيه شَتْمي وتعييري بما كان من قَبْل نُزول النِّعمة بي من أمير المُؤْمنين، ويذكر استطالتي على أنس جُرأةً مني على أمير المُؤْمنين، وغِرَّةً مني بمعرفة سَطَواته ونَقِماته، وأمير المُؤْمنين أعزّه الله في قرابته من رسول الله ﷺ أحقّ مَن أقالني عَثرتي، وعفا عن جَريمتي، ولم يُعَجِّل عقوبتي ورأيه العالي في تفريج كُربتي،