للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَبْطَةً، ولأَرْكُضَنَّك رَكْضَةً تَودُّ معها لو أنك رجعت في مَخرجك من وجار (١) أُمّك، أما تذكر حال آبائك ومكاسبَهم بالطائف، وحفرَهم الآبار بأيديهم، ونقلَهم الحجارة على ظهورهم، أم نسيت أجدادك في اللؤم والدَّناءة وخساسة الأصل، وقد بلغ أمير المؤمنين ما كان منك إلى أبي حَمزة أنس بن مالك خادم رسول الله القريب، وصاحبه في المشهد والمغيب، جُرْأَةً منك على الله ورسوله، وأميرِ المُؤْمنين والمسلمين، وإقدامًا على أصحاب رسول الله ، فعليك لعنة الله من عَبدٍ أَخفَشِ العَينين، أصَكِّ الرِّجْلَين، ممسوح الجاعِرَتَين، لقد هممت أن أبعثَ إليك من يَسحبُك ظهرًا لبطن، أو بطنًا لظهر، حتَّى يأتي بك أَبا حمزة، فيكم فيك بما يراه، ولو علم أمير المُؤْمنين أنك اجتَرَمْتَ إليه جُرْمًا، أو انتهكْتَ له عِرضًا غير ما كُتب به إليك (٢)؛ لفُعل ذلك بك، فإذا قرأتَ كتابي هذا فكُن له أَطوعَ من نَعله، واعرف حقه، وأكرمه وأهلَه، ولا تُقصِّرن في شيءٍ من حوائجه، فوالله لو أن اليهود رأت رجلًا خدم العُزَير، ولو رأت النصارى رجلًا خدم المسيح، لوَقَّروه وعظَّموه، فتبًّا لك، لقد اجترأتَ ونسيتَ العهد، وإياك أن يبلغني عنك خلافُ ذلك، فأبعث إليك مَن يضربُك بَطْنا لظهر، ويَهتكُ سِترك، ويُشْمِت بك عدوَّك، والْقَه في منزله مُتَنصِّلًا إليه، وليكتب إليَّ برضاه عنك، ولكلِّ نبأ مُستَقَرّ وسوف تعلمون.

وكتب عبد الملك إلى أنس: لأبي حمزة أنس بن مالك خادم رسول الله من عبد الملك، سلامٌ عليك، أما بعد، فإني قرأتُ كتابَك، وفهمتُ ما ذكرتَ في أمر الحجاج، وإني والله ما سَلَّطْتُه عليك، ولا على أمثالك وقد كتبتُ إليه ما يبلغك، فإن عاد لمثلها فعَرِّفني حتَّى أُحِلَّ به عُقوبتي، وأُذِلَّه بسَطوتي، والسلام عليك.

ثم دعا إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر -وكان صديقًا للحجاج- قال إسماعيل: فدخلتُ عليه في ساعة لم يكن يَبعثُ إليّ فيها، وهو أشدُّ حَنَقًا وغَيظًا فقال: يَا إسماعيل، ما أشدّ علي إلَّا أن تقول الرَّعِيّة: إنِّي ضَعُفْتُ وضاق ذَرْعي عن رجل من ، لا يَقبل له حسنة، ولا يتجاوز له عن سيئة، فقلت: وما ذاك؟


(١) أي: جُحْر.
(٢) في (ص): غير ما كنت به إليه.