بغرائر الدُّخن (١)، وصاحوا: الصلح؛ لما رأوا الغلبة، فصالحهم قتيبة على ألفي أَلْف ومئتي أَلْف في كل عام، وعلى أن يُعطوه في تلك السنة ثلاثين أَلْف رأس؛ ليس فيهم صبي ولا شيخ، وعلى أن يُخلوا المدينة لقتيبة، ويُخرجوا منها المقاتلة، ويدخلها قتيبة فيبني بها مسجدًا ويصلّي فيه ويخطب ويتغدّى ويخرج منها، فأجابوه، فقال: ابعثوا إلينا ما صالحناكم عليه، فأرسلوا إليه بالمال والرؤوس، فقال قتيبة: الآن ذَلُّوا حين صار أولادهم وإخوانهم في أيدينا.
ثم أخلَوا المدينة، وبنوا جامعًا، ونصبوا منبرًا، وانتخب قتيبة أربعة آلاف فارس ودخلها، فأتى المسجد، وصلّى وخطب ثم تغدّى، وأرسل إلى أهلها: لستُ بخارج منها فخذوا ما أعطيتمونا. وكان قتيبة يُعَيَّر بالغدر بأهل سمرقند.
وفي رواية: صالحهم على مئة أَلْف رأس، وبيوت النيران، وحِلية الأصنام، فأحضرت الأصنام بين يديه -وكانت عظيمة- فأمر بإحراقها، فجاءه ملك الصُّغْد والأكابر وقالوا: إن فيها أصنامًا مَن حرقها هلك، فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي، وقام وأخذ بيده شعلة نار، وكَبّر وأحرقها، فوجدوا ما كان فيها من بقايا مسامير الذهب والفضة خمسين أَلْف مِثقال، ثم وجدوا جاريةً مَن بنات يَزْدَجِرد، فقال قتيبة: أترون ابنَ هذه يكون هجينًا؟ قالوا: نعم، يكون هجينًا من قبل أَبيه، فأرسل بها إلى الحجاج، فبعث بها إلى الوليد، فولدت يزيد بن الوليد.
وفي رواية: أن قتيبة لما نازل سمرقند، واشتدّ القتال، فقال قتيبة ليلة يخاطب نفسه: حتَّى متى يَا سمرقند يُعَشِّش فيك الشيطان؟! أما والله لئن أصبحتُ لأُحاولَنّ من أهلِك أقصى غاية، فكان كما قال؛ قاتلهم في صبيحة تلك الليلة قتالًا عظيمًا، قُتل من الفريقين خلق كثير.
وكتب قتيبة إلى الحجاج بفتح سمرقند مع رجل من أهل خراسان، فبعث برسوله إلى الشَّام يُبَشِّر الوليد، قال: فدخلتُ مسجدَ دمشق قبل طلوع الشَّمس، فجلست وإلى جنبي رجل ضرير، فسألتُه عن شيء من أمر الشام فقال: إنك لغريب؟ قلت: أَجل، قال: من أين أَنْتَ؟ قلت: من خراسان، قال: ما أقدمك؟ قلت: أُبشّر بفتح سمرقند،
(١) الغرائر: جمع غِرارة، وعاء من الخيش ونحوه، يوضع فيه القمح ونحوه. والدُّخْن: حبٌّ معروف. المصباح المنير والمعجم الوسيط.