للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأرسل إِلَى سعيد يقول له: اخرج عني لئلا ألقى الله بدمك، فخرج إِلَى أذربيجان، فأقام بها مدة، فضَجِر فخرج إِلَى مكة مستجيرًا بالله، ومستعيذًا به من الحجاج، وملتجئًا إِلَى حرم الله تعالى وبيته.

[واختلفوا فِي كيفية إحضاره عند الحجاج، منها: قال هشام:، كتب الحجاج إِلَى الوليد: إن جماعة من المنافقين قد التجؤوا إِلَى مكة، فكتب الوليد إِلَى خالد بن عبد الله القَسْري، وكان على مكة: احملهم إِلَى الحجاج، وكانوا خمسة: سعيد بن جُبير، وعطاءً، ومُجاهدًا، وعَمرو بن دينار، وطَلْقَ بنَ حبيب، فأما عمرو وعطاء فأُطلِقا، وأما طلق فمات فِي الطريق، وأما مجاهد فحُبس حتَّى مات الحجاج، وأما سعيد فقُتل.

وقال أبو حَصين: أتيت سعيد بن جبير وقلت له: إن هذا الرَّجل قادم -يعني خالد القَسْري- ولا آمنه عليك، فأطعني واخرج، فقال: والله لقد فررتُ حتَّى استحييتُ من الله، فقلت: والله إنِّي لأراك كما سَمَّتك أمُّك سعيدًا.

ولما أُخذ قال: ما أراني إلَّا مقتولًا وسأخبركم: إنِّي كنتُ أنا وصاحبان لي دعونا الله حين وجدنا حلاوة الدعاء، ثم سألنا الله الشهادة، فكلا صاحبيَّ رُزقَها، وأنا أنتظرها، فكأنه رأى أن الإجابة عند حلاوة الدعاء.

فخرج سعيد مع حَرَسِيَّين، فنزلا منزلًا، ثم نام أحدهما وانتبه فقال: يَا سعيد، رأيتُ الساعة فِي المنام قائلًا يقول: برَّأك الله من دم سعيد -وكان قد رآه يصوم النهار ويقوم الليل- فقال: اذهب حيث شئت، فوالله إنِّي ذاهب بك إِلَى مَن يقتلك، فقال له سعيد: إنه سيبلغ الحجاج فيقتلك، ولكن اذهب بي إليه.

[قال هشام، وذكر طرفًا منه ابن سعد قال:] فلما دخل على الحجاج قال له: ألم أُشْرِكْك فِي أمانتي؟ ألم أستعملك على الجُند وبيت المال؟ ألم أَقْدَم على الكوفة فولَّيتُك القضاء، فضج أهلها وقالوا: ما يصلح للقضاء لأنه مولى، ولا يصلح للقضاء إلَّا العربي، فولَّيتُ أَبا بُردة القضاء وأمرتُه أن لا يقطع أمرًا دونك؟ أما أعطيتُك كذا وكذا من المال؟ وأمرتُك أن تُفرِّقه فِي ذوي الحاجات، ثم لم أسألك عن شيء منه؟ وسعيد يقول: بلى بلى، حتَّى ظنّ مَن حضر أنَّه يُطلِقه، ثم قال: فلم خرجتَ عليّ؟