وروى ابن سعد عن عمران قال: كان لابن المسيّب فِي بيت المال بضعة وثلاثون ألفًا عطاؤه، فكان يُدعى إليها فيأبى ويقول: لا حاجةَ لي فيها حتَّى يحكم الله بيني وبين بني مروان.
وقيل له: ما بال الحجاج لا يبعث إليك ولا يؤذيك ولا يحركك؟ فقال: والله لا أدري؛ إلَّا أنَّه دخل ذات يوم مع أَبيه المسجد، فصلى صلاةً، فجعل لا يُتمُّ ركوعها ولا سجودها، فأخذتُ كفًّا من حصى فحصبتُه، فزعم الحجاج قال: ما زلتُ بعدها أُحسن الصلاة.
وقال عمران بن عبد الله الخُزَاعِيّ: حج عبد الملك، فلما قدم المدينة جاء فوقف على باب المسجد، وأرسل إِلَى سعيد رجلًا يدعوه ولا يحرّكه، فأتاه الرسول فقال: أمير المُؤْمنين واقفٌ بالباب يريد أن يكلّمك، فقال: ما لي إليه حاجة، وإن حاجته إليّ غير مقضيَّة، فرجع الرسول إِلَى عبد الملك فأخبره فقال: ارجع إليه وقل له: إنما أريد أن أكلمك، ولا تحرّكه، فجاء إليه فقال: أجب أمير المُؤْمنين، فقال له مثل ما قال أولًا، فقال الرسول: لولا أنَّه تقدَّم إليّ فيك ما رجعت إليه إلَّا برأسك، يرسل إليك أمير المُؤْمنين ليكلّمك وتقول مثل هذه المقالة؟ فقال سعيد: إن كان يريد أن يصنع بي خيرًا فهو ذاك، وإن كان غير ذلك فلا أَحُلُّ حَبْوَتي حتَّى يَقضي ما هو قاض، فأتاه فأخبره فقال: يرحم الله أَبا محمَّد، أبي إلَّا صَلابةً فِي دينه.
وقيل: إن [الوليد بن] عبد الملك همَّ به وفي النَّاس يومئذ بقية، فأقبل عليه أصحابه وجلساؤه -وكان فِي المسجد جالسًا وسعيد عند أسطوانته- فقالوا: فقيه أهل المدينة، وشيخ قريش، وصديق أبيك، ولم يطمع ملك قبلك أن يأتيه، فما زالوا به حتَّى أضرب عنه (١).
وقال سعيد: لقد رأيتُني ليالي الحَرَّة وما فِي المسجد أحد من خلق الله غيري، وإن أهل الشَّام ليَدخلون زُمَرًا زمرًا يقولون: انظروا إِلَى هذا الشيخ المجنون، وما كان يأتي وقت صلاة إلَّا وأسمع أذانًا من قبر رسول الله ﷺ، فأقيم الصلاة وأصلي وحدي.
وكان سعيد يقصُّ على النَّاس فيُخَوِّف ويُذَكّر.
(١) فِي (خ) و (د): فاضرب عنقه، والمثبت من "طبقات ابن سعد" ٧/ ١٣٠، وما بين معكوفين منه.