للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُقلِّبُ رأسًا لم يكن رأسَ سَيِّدٍ … وعَينًا له حَولاءَ بادٍ عُيوبُها

وبعث إليه زين العابدين بألف دينار وقال: اعذرني يَا أَبا فراس، فلو كان عندي أكثر منها لوصلتُك، فردّها وقال: والله ما قلتُ ما قلتُ لهذا؛ بل غضبًا لله ولرسوله، فلا آخذُ عليه أجرًا، فقال علي: نحن أهل بيت لا يعودُ إلينا ما خرج منا، فبحقِّي عليك إلَّا قبلتَها؛ فقد رأى الله مَقامَك. وعرف رسوله، فقبلها.

[ويقال: إن زين العابدين شفع إِلَى هشام فأطلقه.

وحكى ابن حَمدون فِي "التَّذكرة" عن] الزهري قال: حمل عبد الملك بن مروان عليّ بنَ الحسين من المدينة إِلَى الشَّام مُقَيَّدًا مُكَبَّلًا، قال الزهري: فدخلتُ عليه لأُودِّعَه والغُلُّ فِي يديه، والقُيودُ فِي رجلَيه، فبكيتُ -وكان فِي قُبَّة- وقلتُ له: وَدِدتُ والله أني مكانَك وأنت سالم، فقال: لو شئتُ لما كان هذا، ثم تحرَّك فوقع الغلُّ من يديه، والقَيد من رجليه، ثم قال: وإنه ليُذَكّرني هذا عذابَ الله، والله لا سِرتُ معهم ليلتين على هذا، فلما كان بعد أربعة أيام وإذا بالموكَّلِين قد عادوا، فسُئلوا عن عَودهم فقالوا: رَصَدْناه ليلةً إِلَى الفجر ثم فقدناه، فلا ندري ما أصابه.

قال الزُّهري: فدخلتُ بعد ذلك على عبد الملك، فسألني عنه فحدَّثتُه الحديث، فقال: والله لقد جاءني يوم فَقَدَه الأعوان، فدخل عليّ فقال: ما أنا وأنت؟! قلت: أقِم عندي، قال: ما أُحبُّ ذلك، ثم خرج عني وقد مُلئتُ منه خِيفَةً (١).

قال الزهريّ: دخلتُ ليلةً مسجدَ رسول الله وقتَ السَّحَر، وإذا بشخصٍ ساجدٍ فِي جانب الرَّوضة، وهو يقول فِي سجوده: إلهنا وسيّدنا ومولانا، لو بَكينا حتَّى تَسقُطَ أشفارُنا، وانتَحَبْنا حتَّى تنقطعَ أصواتُنا، وقُمنا حتَّى تَيبَسَ أقدامُنا، وركعنا حتَّى تَنخَلِعَ أوصالُنا، وسجدنا حتَّى تَتَفَقَّأ أحداقُنا، وأكلنا تُرابَ الأرض طُولَ أعمارِنا، وذكرناك حتَّى تَجِفَّ ألسنتُنا؛ ما استوجبنا بذلك مَحْوَ سيِّئةٍ من سيّئاتنا، قال: فبكيتُ لتَضَرُّعِه وحُسنِ عبارته، فلم يزل كذلك إِلَى وقت الأذان، فلما أذَّن المؤذن رفع رأسه، وإذا به زين العابدين.


(١) تذكرة ابن حمدوان ١/ ١٠٩، وأخرجه أبو نعيم فِي "الحلية" ٣/ ١٣٥، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" ٤٩/ ٩٩ - ١٠٠.