للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لعبد الملك أمير المؤمنين، وخليفة رب العالمين، وإمام المسلمين، المعصوم من خَطَل القول، وزَلَلِ الفعل، من عبد اكتنَفَتْه الذِّلَّة (١)، ومَدَّ به الصَّغارُ إلى وَبيءِ المَكْرَع: السلام عليك ورحمةُ الله التي اتَّسعت فوَسِعت، فإني أحمَدُ إليك الله الذي لا إله إلا هو، راجيًا لعَطْفِك بعَطفِه، أما بعد:

فكان الله لك بالدَّعَة في دار الزَّوال، والأمنِ في دار الزِّلْزال كفيلًا، فاستعِذْ بالله يا أمير المؤمنين من الشّيطان الرجيم، إنما سُلطانه على الذين يتوَلَّونه (٢)، وأمير المؤمنين قد كفاه الله وَسْوَسَتَه. وذكر كلامًا طويلًا استعطف به عبد الملك، وقال في آخره:

والأمر لأمير المؤمنين، إن شاء استبدل، وإن شاء أقرَّ، وكلاهما عَدلٌ مُتَّبَع، وصَوابٌ مُعتَدل (٣)، والسلام.

قال المصنف : ومعنى قول عبد الملك: وعوَّلَ أميرُ المؤمنين بإخراجك من شُرطة رَوْح بن زِنْباع؛ أن الحجاج كان في عَديد شُرطة رَوْح، وكان روح عظيمًا عند عبد الملك، وهو الذي ولّى مروان الخلافة، فشكا عبد الملك إلى رَوْح قلَّةَ مُبالاة الجُندِ به، وأنهم لا يرحلون لرحلته، ولا ينزلون لنزوله، فقال له روح: في شرطتي رجلٌ لو قلَّدتَه هذا الأمر لكفاك، فقال: ومن هو؟ قال: الحجاج بن يوسف، فقلّده عبد الملك، فاستقام أمر الجُنْد، فكان لا يتخلَّف عن الرَّحيل إلا أعوان روح.

فرحل عبد الملك يومًا، وتخلّف أعوان رَوْح في فُسطاطه، فمرّ بهم الحجاج وهم يأكلون طعامًا فقال: ما منعكم أن ترحلوا لرحيل أمير المؤمنين؟ فقالوا: يابن اللخناء، انزل فكُلْ، فقال: هيهات ذهب ما هنالك، ثم أمر بهم فجُلدوا بالسِّياط، وطِيف بهم في العسكر، وأَحرق فُسطاطَ رَوْح بالنار، فقام روح فدخل على عبد الملك وهو يبكي، فقال له: ما الذي بك؟ فأخبره، فاستدعى الحجاج وقد استشاط عبد الملك غضبًا فقال: وَيلك، ما حَملك على ما صنعتَ؟ فقال: ما فعلتُ شيءٌ أنت فعلتَه، قال عبد الملك: لا والله ما فعلتُه، قال الحجاج: بلى، يدي يدُك، وسيفي سيفُك، وما عليك


(١) في (خ) و (د): من عبد السفيه الذلة، وليس الخبر في (ص)، والمثبت من "العقد" ٥/ ٢٥.
(٢) في "العقد" ٥/ ٢٦: فواغوثاه استعاذة بأمير المؤمين من رجيم إنما سلطانه على الذين يتولونه.
(٣) كذا في (خ) و (د)، وبعض نسخ العقد ٥/ ٢٩، وأثبتها محققوه: معتقد.