للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإياك ومُشاورتهنّ، فإنَّ رأيَهنّ إلى أَفَن، وعَزْمَهنّ إلى وَهن، وعَرَقَهنَّ إلى عَفَن، ولا تُطمِعْهنَّ في الشفاعة عندك، ولا تُطِل الجلوسَ معهن، فإن ذلك أوفرُ لعقلك، وأغزرُ لفضلك.

ثم قام الحجاج فخرج، ودخل الوليد على أم البنين فقالت: ما دار بينك وبين الحجاج، فأخبرها بمقالته، فوَجَمت ساعةً ثم قالت: أُحبّ غدًا أن تأمره بالتّسليم عليّ، فقال: نعم.

فلما دخل عليه الحجاج من الغد قال له: صِر إلى أم البنين فسلِّم عليها، فقال: أوَتُعفِينِي؟ قال: لا أُعفيك، فمضى الحجاج إلى بابها، فحبستْه طويلًا، ثم أذِنتْ له، فدخل ووقف عند السّتر، وسلَّم وهو قائم، فلم تأذن له في الجلوس وقالت:

لا مرحبًا بك ولا أهلًا يا أُخَيفِشَ ثَمود، وعبدَ بني ثَقيف، يا عدوَّ الله وعدوَّ رسوله، أنت المُمْتَنُّ على عبد الملك بقتل ابنِ حَواريّ رسول الله ، وابنِ ابنة أبي بكر الصّديق ذات النّطاقَين، أولِ مولودٍ وُلد في المدينة من المهاجرين الصوّام القوّام، وبقتل عبد الرحمن بن الأشعث سيّد كِندة وزعيمها، وقتلِ سعيد بن جُبير وكُمَيل بن زياد، وأولياءِ الله والعلماء، ورميك بيت الله والبلد الحرام -الذي مَن دخله كان آمنًا- بالمجانيق، وتحريقك الكعبة، وسفكِ الدم الحرام في مكان يأمَن فيه الطيرُ والوَحش، وقد والى عليك ابنُ الأشعث الهزائم، حتى عُذتَ بعبد الملك، فأعانك بجُندِ الشام، وأنت في أضيق من القَرَن، فأظلَّتْك رماحُهم، وأعانك كفاحُهم، ولولاهم لكنتَ كأمسِ الذّاهب، أنسيتَ رِماح غزالة في أكتافك، ودقِّها قفاك برُمحها، ولله درّ القائل:

هلّا برَزْتَ إلى غزالةَ في الوَغى (١)

وذكرت الأبيات.

يابن أبي رِغال، طالما نقَض عبدُ الملك المِسْكَ من غدائرِ نسائه، والحُلي من آذانهن وأيديهن، وبِعنَه في الأسواق لأجل البعوث إليك، ولولا ذلك لكنت أذلَّ من نعل، وأهون من بَقَّة، وأقلّ من لا.


(١) تمامه: بل كان قلبك في جناحي طائر، انظر "مروج الذهب" ٥/ ٣٦٧، و"العقد" ٥/ ٤٤.