للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إنك أشرتَ على أمير المؤمنين بتَرك لذّاته، وبلوغ أوطاره من نسائه، فإن كنّ يُفرِجن عن مثله فإنهن ريحان، وإن كنّ يُفرجن عن مثلك فهن أقذارٌ وأنتان.

ثم قالت لجواريها وخَدَمها: ادفعوا في قفاه وأخرجوه مَذمومًا مَدحورًا، ففعلوا. فدخل على الوليد وهو في أسوأ حال، فأخبره بما قالت وقال: والله ما سكتت حتى كان بطنُ الأرض أحبَّ إليَّ من ظهرها، فضحك الوليد وقال: إنها ابنةُ عبد العزيز.

ذكر بعض خُطَبه:

قال الشَّعبي: حدثني الربيع (١) بن خالد قال: سمعتُ الحجاج يقول على المنبر: أخليفةُ أحدكم في أهله أكرمُ عليه أم رسوله في حاجته؟ قال: فجعل عبد الملك أفضل من رسول الله ، ثم قال الربيع: لا جرم، والله لا أصلّي بعدها خلفك، ولأُجاهدنّك ما استطعتُ، قال: فلما كان يومُ الجَماجم أبلى الربيع بلاء حسنًا، وقصد قتلَ الحجاج فلم يصل إليه.

وصَعد المنبر يومًا فخطب، فضرب برجله المنبر فانكسر لوحٌ منه، فسُرَّ الناس بذلك وتفاءلوا به، وفهم الحجاج فقال: شاهت الوجوه، وتبّت الأيدي، وبُؤتم بغضبٍ من الله، إنه إنما انكسر عُودٌ ضعيفٌ من خِزوَع تحت قَدم أيِّدٍ شَديد، يا أعداء الله، تفاءلتم بالشُّؤم، وإني والله عليكم أَنكَدُ من الغُراب الأبْقَع، وأشأمُ من يومِ نَحْسٍ مُسْتَمِرّ، وإني لأعجب من قول لوط: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ [هود: ٨٠]، وأيُّ رُكْنٍ أشدّ من الله، وآوي إلى أمير المؤمنين، ثم نزل (٢).

ومرض فأُرجف عليه بالموت، ثم برئ، فصعد المنبر فقال: يا أهل العراق، يا أهل الشِّقاق والنِّفاق، مَرضتُ فقلتم مات الحجاج، أما والله إني لأُحبّ الموت، وهل أرجو الخيرَ كلَّه إلا بعد الموت، وما رأيتُ الله قضى الخلودَ في الدنيا إلا لأبغض خلقه


(١) كذا في "مروج الذهب" ٥/ ٣٣٨ - ٣٣٩، و"العقد" ٥/ ٥٢، و"التهذيب". وفي "توضيح المشتبه" ١/ ٤٩٠: بزيغ.
(٢) "التذكرة الحمدونية" ٨/ ٢٨.