للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه وهو إبليس، ولقد سأل العبدُ الصَّالحُ ربَّه فقال: ربِّ هبْ لي مُلكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدي، فوهب له، ثم اضْمَحلّ فكأنه لم يكن (١).

وأراد سَفرًا فاستخلف على الناس ابنه محمدًا، ثم صعد المنبر فقال: قد استخلفتُ عليكم ابني محمدَّا، وأمرتُه فيكم بخلاف ما أمر رسول الله في الأنصار وهو أن يقبلَ من مُحسنهم، ويتجاوز عن مُسيئهم، ألا وإنكم قائلون بعدي مَقالة لا يَمنعكم من إظهارها إلا خوفي، لا أحسن الله صحابتكم، ولا الخلافةَ عليكم (٢).

ومات محمد بن الحجاج بُكرة الجمعة، وجاءه نَعيُ أخيه محمد بن يوسف عَشيَّة، ففرح أهل العراق وقالوا: انقطع ظَهره، وقُصَّ جَناحُه، فصعد المنبر وقال: محمدان في يوم واحد؟! أما والله ما كنتُ أحبُّ أن يكونا معي في الدنيا لما أرجو لهما من ثواب الله في الأخرى، وايمُ الله، ليُوشكَنَّ الباقي مني ومنكم أن يَفنى، والجديد منا أن يَبلى، وتُدال الأرض منا؛ فتأكل من لُحومنا، وتشرب من دمائنا، كما مشينا على ظهرها، وأكلنا من ثمارها، وشربنا من أنهارها، ثم قرأ: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ [يس: ٥١] ثم نزل وجلس للتَّعزِية (٣).

وخطب يومًا فقال: إن مَثَلَ عثمان عند الله كمثَل عيسى بن مريم، قالماله الله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥] وبلغ الحسن البصري فقال: لعن الله الفاجر فقد كذب وكفر.

وقال الشعبي: سمعتُ الحجاج يتكلم بكلامٍ ما سبقه أحد إليه؛ سمعتُه يقول: أما بعد، فإن الله كتب على الدنيا الغناء، وعلى الآخوة البقاء، فلا فناء لما كتب عليه البقاء، ولا بقاء لما كتب عليه الغناء، فلا يَغُرَّنكم شاهدُ الدنيا على غائب الآخرة، واقهروا طولَ الأمَل بقِصَر الأجَل.


(١) "العقد" ٤/ ١٢٣ و ٥/ ٤٦ - ٤٧، و"المنتظم" ٦/ ٣٤٢.
(٢) في "العقد" ٤/ ١١٩ و ٥/ ٤٧، و"المنتظم" ٦/ ٣٤٣: لا أحسن الله له الصحابة وإني أعجل لكم الجواب فلا أحسن الله عليكم الخلافة.
(٣) "العقد الفريد" ٤/ ١٢٢ - ١٢٣ و ٥/ ٤٧.