وولَّى الحجاج بعضَ الأعراب على أصبهان، وكان له أخٌ من أبيه، فقصده أخوه، فأقام ببابه شهرًا لا يصل إليه، وكان اسم الوالي زيدًا، فرصده أخوه يومًا، ودخل مع الناس ثم قام فقال:[من الوافر]
ولستُ مسَلِّمًا ما عشتُ يومًا … على زيدٍ كتسليم الأميرِ
فقال زيد: ما أبالي، فقال:
أتذكرُ إذ لِحَافُك جلدُ شاةٍ … وإذ نَعلاك من جلدِ البعيرِ
فقال زيد: نعم، فقال أخوه:
فسبحان الذي أعطاك مُلكًا … وعلَّمك الجلوسَ على السَّريرِ
فقال زيد: سبحانه، ولم يعطه شيئًا.
وبلغ الحجاج فقال: إلى هنا انتهى اللّؤم، فعزل زيدًا عن أصبهان وولاها أخاه (١).
[وقال الهيثم:] كان للحجَّاج طبيبٌ ومُنَجِّم، فالطبيب يقال له: تياذوق، وكان قد أدرك الأكاسرة، وعُمِّر طويلًا، فقال له الحجاج يومًا: صف لي صِفةً لا أَعدوها، فقال: لا تتزوَّجَنّ من النساء إلا شابّة، ولا تأكل من اللحم إلا فتيًّا، ولا تأكله حتى يَنضج، ولا تشرَبنّ دواءً إلا من علَّة، ولا تأكل من الفاكهة إلا نَضيجها، ولا تأكل طعامًا إلا وتُجيد مَضغَه، وإذا أكلتَ فلا تشرب، وإذا شربتَ فلا تأكل، ولا تحبس الغائط ولا البول، وإذا أكلت في النهار فَنَمْ، وإذا أكلتَ في الليل فامشِ قبل أن تنام ولو مئة خطوة. فكان الحجاج لا يُخلّ بهذه الوصيّة.
[قال:] وقال يومًا للمنجّم وقد أخذ في كفّه حصى: أخبرني كم في يدي حصاة، فحسب فأصاب، ثم أخذ الحجاج مرة ثانية غير ذلك الحصى وقال: كم في كفي حصاة؟ فحسب فأخطأ، فقال له: ما هذا؟! فقال: أيها الأمير، أقسمتُ عليك هل أحصيتَ الأول دون الثاني؟ قال: نعم، من أين علمتَ؟ قال: لأنك لما أحصيتَ الأول دخل في علمي وعلمك، ولما لم تُحصِ الثاني دخل في علم الغيب، ولا يعلم الغيبَ إلا الله. فاستحسن الحجاج منه ذلك ووصله.
(١) "المنتظم" ٦/ ٢٨٠، وهدا الخبر وسابقه ليس في (ص).