للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمير المؤمنين الغائب وأنت الحاضر، والله تعالى يقول: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ الآية [الحجرات: ٦]، وما بلغه عني باطل، وإني أعول أربعًا وعشرين امرأةً ليس لهنّ كاسِبٌ غيري، قال: ومَن في بتصديق ذلك؟ قال: هن على الباب، فأمر بإدخالهن، فجعل يُسائلهنّ فتقول هذه: أنا عمته، وتقول هذه: أنا خالته، وتقول أخرى: أنا زوجته، إلى أن انتهى إلى جارية فوق الثمانية ودون العشارية، فقال لها: مَن أنت؟ فقالت: ابنته أصلح الله الأمير، ثم جثَتْ بين يديه وقالت: [من الطويل]

أحجَّاجُ لم تَشهد مَقامَ بناتِه … وعمَّاتِه يَندُبْنَه الليلَ أجْمَعا

أحجاجُ كم تقتُل به إن قتلتَه … ثمانًا وعشرًا واثنتين وأربعا

أحجاج مَن هذا يقومُ مَقامَه … علينا فمهلًا أن تزِننا تَضَعضُعا

أحجاجُ إما أن تجودَ بنعمةٍ … علينا وإما أن تُقَتِّلَنا معًا

فبكى الحجاج وقال: لا والله لا أزيدُكُنّ تَضَعْضُعَا، وكتب إلى عبد الملك يخبره الخبر وما قالت الجارية، فكتب إليه عبد الملك بن مروان أن يُحسن صِلته ويُطلقَه.

وأمر الحجاج محمد بن المُنْتَشِر ابن أخي مَسروق (١) بن الأَجْدع أن يُعذّب آزادمرد ابن الفرند على مال، فقال له آزادمرد: يا محمد، إن لك شَرفًا قديمًا، وإن مثلي لا يُعطي على الذلِّ شيئًا، فارفق بي واسْتأدِني، فاستأداه في جمعة ثلاث مئة ألف، فغضب الحجاج، وأمر صاحب العذاب أن يُعذِّبَه، قال محمد: فعذّبه حتى دَقَّ يديه ورجليه، فلم يعطه شيئًا.

فمر بي على بَغْلٍ مُعترضًا قد دُقَّت يداه ورجلاه فقال: يا محمد، فكرهت أن آتيه فيبلغ الحجاج، وتذمَّمتُ من تركه إذ دعاني، فدنوت منه فقال: قد وَليتَ مني مثل ما ولي هذا فلم تُعذّبني، وأحسنتَ إلي، ولي عند فلان مئة ألف درهم، فاذهب فخذها لنفسك، فقلت: والله لا آخذ منها درهمًا وأنت على هذه الحال، قال: فإني أحدّثك حديثًا سمعتُه من أهل دينك يقولون: إذا أراد الله بالعبيد خيرًا أمطرهم في أوانه،


(١) في النسخ: مروان، وهو خطأ، والمثبت من "الفرج بعد الشدة" ١/ ٣٩٨، وترجمة محمد في "تهذيب الكمال" (٦٢٢٠)، والخبر في "الكامل" ٣٩٥ - ٣٩٧، و"العقد" ٥/ ٢٩. وليس في (ص).